والمتعال صفة من التعالي وهو المبالغة في العلو كما يدل عليه قوله تعالى: " عما يقولون علوا كبيرا " اسرى: 43 فان قوله علوا كبيرا مفعول مطلق لقوله تعالى وموضوع في محل قولنا تعاليا فهو سبحانه علي ومتعال اما انه علي فلانه علا كل شئ وتسلط عليه والعلو هو التسلط واما انه متعال فلان له غاية العلو لان علوه كبير بالنسبة إلى كل علو فهو العالي المتسلط على كان عال من كل جهة.
ومن هنا تظهر النكتة في تعقيب قوله " عالم الغيب والشهادة " بقوله الكبير المتعال لان مفاد مجموع الاسمين انه سبحانه محيط بكل شئ متسلط عليه ولا يتسلط عليه ولا يغلبه شئ من جهة البتة فهو يعلم الغيب كما يعلم الشهادة ولا يتسلط عليه ولا يغلبه غيب حتى يعزب عن علمه بغيبته كما لا يتسلط عليه شهادة فهو عالم الغيب والشهادة لأنه كبير متعال.
قوله تعالى: " سواء منكم من أسر القول ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار " السرب بفتحتين والسروب الذهاب في حدور وسيلان الدمع والذهاب في مطلق الطريق يقال سرب سربا وسروبا نحو مر مرا ومرورا كذا في المفردات فالسارب هو الذاهب في الطريق المعلن بنفسه.
والآية كالتفريع على الآية السابقة أي إذا كان الله سبحانه عالما بالغيب والشهادة على سواء فسواء منكم من أسر القول ومن جهر به أي بالقول والله سبحانه يعلم بقولهما ويسمع حديثهما من غير أن يخفى عليه اسرار من أسر بقوله " وسواء منكم من هو مستخف بالليل " يستمد بظلمة الليل وارخاء سدولها لان يخفى من أعين الناظرين ومن هو سارب بالنهار ذاهب في طريقه متبرز غير مخف لنفسه فالله يعلم بهما من غير أن يخفى المستخفي بالليل بمكيدته قوله تعالى: " له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله " الخ ظاهر السياق ان الضمائر الأربع له يديه خلفه يحفظونه مرجعها واحد ولا مرجع يصلح لها جميعا الا ما في الآية السابقة أعني الموصول في قوله " من أسر القول " الخ فهذا الانسان الذي يعلم به الله سبحانه في جميع أحواله هو الذي له معقبات من بين يديه ومن خلفه.