تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١١ - الصفحة ٣٠٠
وانعدمت الشخصية ان يكون الانسان صورة مادية قائمة بهذا الهيكل البدني المادي العائش بحياة مادية من غير أن تكون له حياة أخرى خالدة بعد الموت يبقى فيها ببقاء الرب تعالى ويسعد بقربه ويفوز عنده وبعبارة أخرى تكون حياته محدودة بهذه الحياة المادية غير أن تنبسط على ما بعد الموت وتدوم ابدا وهذا في الحقيقة انكار للعالم الربوبي إذ لا معنى لرب لا معاد إليه.
ولازم ذلك أن يقصر الانسان همه في المقاصد الدنيوية والغايات المادية من غير أن يرتقى فهمه إلى ما عند الله من النعيم المقيم والملك العظيم فيسعى لقربه تعالى ويعمل في يومه لغده كالمغلول الذي لا يستطيع حراكا ولا يقدر على السعي لواجب امره.
ولازم ذلك أن يثبت الانسان في شقاء لازم وعذاب دائم فإنه أفسد استعداد السعادة وقطع الطريق وهذه اللوازم الثلاث هي التي أشار تعالى إليه بقوله " أولئك الذين كفروا " الخ.
فقوله أولئك الذين كفروا بربهم إشارة إلى اللازم الأول وهو اعراض منكري المعاد عن العالم الربوبي والحياة الباقية والستر على ما عند الله من النعيم المقيم والكفر به.
وقوله " وأولئك الأغلال في أعناقهم " إشارة إلى اللازم الثاني وهو الاخلاد إلى الأرض والركون إلى الهوى والتقيد بقيود الجهل واغلال الجحد والانكار وقد مر في تفسير قوله تعالى: " ان الله لا يستحيى ان يضرب مثلا " الآية البقرة: 26 في الجزء الأول من الكتاب كلام في كون هذه التعبيرات القرآنية حقائق أو مجازات فراجع إليه.
وقوله " أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون " إشارة إلى اللازم الثالث وهو مكثهم في العذاب والشقاء.
قوله تعالى: " ويستعجلونك بالسيئة قبل الحسنة وقد خلت من قبلهم المثلات " إلى آخر الآية قال في المجمع الاستعجال طلب التعجيل بالامر والتعجيل تقديم الامر قبل وقته والسيئة خصلة تسوء النفس ونقيضها الحسنة وهى خصلة تسر النفس والمثلات العقوبات واحدها مثلة بفتح الميم وضم الثاء ومن قال في الواحد مثلة بضم الميم وسكون الثاء قال في الجمع مثلات بضمتين نحو غرفة وغرفات وقيل في الجمع مثلات ومثلات أي بسكون الثاء وفتحها انتهى.
(٣٠٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 295 296 297 298 299 300 301 302 303 304 305 ... » »»
الفهرست