جوابا لعدم فقههم به وفقدهم القدر اللازم من العقل والفهم وذلك أن اقتراحهم الآية مبنى على زعمهم كما يدل عليه كثير مما حكى عنهم القرآن في هذا الباب على أن من الواجب ان يكون للرسول قدرة غيبية مطلقة على كل ما يريد فله ان يوجد ما أراد وعليه ان يوجد ما أريد منه.
والحال ان الرسول ليس الا بشرا مثلهم أرسله الله إليهم لينذرهم عذاب الله ويحذرهم ان يستكبروا عن عبادته ويفسدوا في الأرض بناء على السنة الإلهية الجارية في خلقه انه يهدى كل شئ إلى كماله المطلوب ويدل عباده على ما فيه صلاح معاشهم ومعادهم.
فالرسول بما هو رسول بشر مثلهم لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا وليس عليه الا تبليغ رسالة ربه واما الآيات فأمرها إلى الله ينزلها ان شاء وكيف شاء فاقتراحها على الرسول جهل محض.
فالمعنى انهم يقترحون عليك آية وعندهم القرآن أفضل آية وليس إليك شئ من ذلك وانما أنت هاد تهديهم من طريق الانذار وقد جرت سنة الله في عباده ان يبعث في كل قوم هاديا يهديهم.
والآية تدل على أن الأرض لا تخلو من هاد يهدى الناس إلى الحق اما نبي منذر واما هاد غيره يهدى بأمر الله وقد مر بعض ما يتعلق بالمقام في أبحاث النبوة في الجزء الثاني وفي أبحاث الإمامة في الجزء الأول من الكتاب.
قوله تعالى: " الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد وكل شئ عنده بمقدار " قال في المفردات غاض الشئ وغاضه غيره نحو نقص ونقصه غيره قال تعالى: " وغيض الماء وما تغيض الأرحام " أي تفسده الأرحام فتجعله كالماء الذي تبتلعه الأرض والغيضة المكان الذي يقف فيه الماء فيبتلعه وليلة غائضة أي مظلمة انتهى.
وعلى هذا فالأنسب ان تكون الأمور الثلاثة المذكورة في الآية أعني قوله ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد إشارة إلى ثلاثة من اعمال الأرحام في أيام الحمل فما تحمله كل أنثى هو الجنين الذي تعيه وتحفظه وما تغيضه الأرحام هو دم