على أن لازم هذا الوجه لزوم أن يتحقق للجنة والنار أرض وسماء وأما السماوات بلفظ الجمع كما في الآية فلا، فيبقى الاشكال في السماوات على حاله.
وبما تقدم يندفع أيضا ما أورده عليه القاضي في تفسيره حيث قال: وفيه نظر لأنه تشبيه بما لا يعرف أكثر الخلق وجوده ودوامه ومن عرفه فإنما عرفه بما يدل على دوام الثواب والعقاب فلا يجدي له التشبيه. انتهى.
ومراده أن الآية تشبه دوام الجنة والنار بأهلهما بدوام السماوات والأرض فلو كان المراد بهما سماوات الآخرة وأرضها ولا يعرف أكثر الخلق وجودها ودوامها كان ذلك من تشبيه الاجلى بالأخفى وهو غير جائز في الكلام البليغ.
وجوابه: أنا إنما عرفنا دوام الجنة والنار بأهلهما من كلامه تعالى كما عرفنا وجود سماوات وأرض لهما وكذا أبدية الجميع من كلامه فأي مانع من تحديد إحدى حقيقتين مكشوفتين من كلامه من حيث البقاء بالأخرى في كلامه، وإن كانت إحدى الحقيقتين أعرف عند الناس من الأخرى بعد ما كانت كلتاهما مأخوذتين من كلامه لا من خارج.
ويندفع به أيضا ما ذكره الآلوسي في ذيل هذا البحث أن المتبادر من السماوات والأرض هذه الاجرام المعهودة عندنا فالأولى أن يلتمس هناك وجه آخر غير هذا الوجه انتهى ملخصا.
وجه الاندفاع أن الآيات القرآنية إنما تتبع فهم أهل اللسان في مفاهيمها الكلية التي تعطيها اللغة والعرف، وأما في مقاصدها وتشخيص المصاديق التي تجرى عليها المفاهيم فلا، بل السبيل المتبع فيها هو التدبر الذي أمر به الله سبحانه وإرجاع المتشابه إلى المحكم وعرض الآية على الآية فإن القرآن يشهد بعضه على بعض وينطق بعضه ببعض ويصدق بعضه بعضا - كما في الروايات - فليس لنا إذا سمعناه تعالى يقول: إنه واحد أحد أو عالم قادر حي مريد سميع بصير أو غير ذلك أن نحملها على ما هو المتبادر عند العرف من المصاديق بل على ما يفسرها نفس كلامه تعالى ويكشفه التدبر البالغ من معانيها، وقد استوفينا هذا البحث في الكلام على المحكم والمتشابه في الجزء الثالث من الكتاب.
وقد وردت في الروايات وفي كلمات المفسرين توجيهات أخرى للآية نورد منها ما عثرنا عليه، وليكن الذي أوردناه أولها.