تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١١ - الصفحة ٢٠
ظرفه وإلا لزم أن يكون خبره تعالى كذبا وعلمه جهلا لا أنه حكم صادر منه هذا الآن بأنهم كذا وكذا هذا الآن، ولا أنه حكم صادر منه هذا الآن بأنهم كذا وكذا دائما.
وهو ظاهر.
وليت شعري ما لذي منعه أن يحكم بمثل هذا الحكم في سائر ما أخبر الله تعالى به من صفات الناس يوم القيامة فيحكم بأنهم مؤمنون دائما أو كافرون دائما وفي الجنة قبل يوم القيامة وفي النار قبل يوم القيامة لجريان دليله فيها وفي غيرها كالشقاوة والسعادة على حد سواء.
وأما ما أورده من الرواية وفيها قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: " ولكن كل ميسر لما خلق له " فلا دلالة لها على ما ذكره أصلا وسيجئ توضيح ذلك في البحث الروائي الآتي إن شاء الله تعالى.
وأما قوله أخيرا: " لا نزاع أنه إنما شقي بعمله وإنما سعد بعمله ولكن لما كان ذلك العمل حاصلا بقضاء الله وقدره كان الدليل الذي ذكرناه باقيا يريد أن تعلق القضاء بالعمل - ومن المحال أن يتخلف متعلقه عما قضي عليه - توجب صيرورته ضروري الثبوت، ويكون الفعل بذلك مجبرا عليه لا اختياريا متساوي الفعل والترك بالنسبة إلى الفاعل، لا تأثير للفاعل فيه، ولا تأثير للعمل في حصول شقاوة أو سعادة، وإنما بين الفاعل وفعله، وبين الفعل والأثر الحاصل بعده من شقاوة أو سعادة، صحابة اتفاقية جرت عادة الله سبحانه أن يوجد هذا قبل ذلك وذلك بعد هذا من غير رابطة حقيقية بين الامرين ولا تأثير حقيقي لأحدهما في الآخر.
وهذه مغالطة أخرى ناشئة من الخلط بين نسبة الوجوب ونسبة الامكان فان للعمل عله تامة يجب بها وجوده، وهي إرادة الانسان، وسلامة أدوات العمل منه، ووجود مادة قابلة للعمل، والزمان، والمكان، وعدم الموانع والعوائق إلى غير ذلك فإذا اجتمعت وتمت وكملت كان ثبوت العمل ضروريا، فللعمل إليها نسبة هي نسبة الوجوب، وله إلى كل واحد من أجزاء علته التامة ومن جملتها إرادة الانسان نسبة هي نسبة الامكان فإن العمل لا يجب وجوده بمجرد تحقق الإرادة فقط بل يمكن وإنما يجب لو انضمت إليه بقية أجزاء العلة.
(٢٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 ... » »»
الفهرست