تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١١ - الصفحة ٢٨
وفيه: ما أوردناه على سابقه من كونه خلاف ما يظهر بمعونة السياق فإن الآيات تعد ما ليوم القيامة من الأوصاف الخالصة الهائلة المدهشة التي تذوب القلوب وتطير العقول باستماعها والتفكر فيها لتنذر به أولوا الاستكبار والجحود من الكفار ويرتدع به أهل المعاصي والذنوب.
فيستبعد أن يذكر فيها إنه يوم مجموع له الناس ويوم مشهود ويوم لا تتكلم فيه نفس إلا بإذنه ثم يذكر أن الكفار وأهل المعاصي في نار منذ كفروا وأجرموا إلى يوم القيامة وأهل الايمان والعمل الصالح في جنة منذ آمنوا وعملوا صالحا فإن هذا البيان لا يلائم السياق - أولا - من جهة إن الآيات تذكر أوصاف يوم القيامة الخاصة به لا ما قبله المنتهي إليه، و - ثانيا - من جهة أن الآيات مسوقة للانذار والتبشير، وهؤلاء الكفار والمجرمون أهل الاستكبار والطغيان لا يعبؤن بمثل هذه الحقائق المستورة عن حواسهم، ولا يرون لها قيمة ولا ينتهون بالخوف من مثل هذه الشقاوة والرجاء لمثل هذه السعادة المعنوية وهو ظاهر، نعم هو معنى صحيح في نفسه في باطن القرآن.
وههنا وجوه أخر يمكن أن يستفاد من مختلف أنظارهم في تفسير قوله تعالى:
" إلا ما شاء ربك " طوينا ذكرها ههنا إيثارا للاختصار ولأنها تشترك مع الوجوه الآتية التي سنوردها في تفسير الجملة، ما يرد عليها من الاشكال فنكتف بذلك.
وقوله تعالى: " إلا ما شاء ربك " استثناء مما سبقه من حديث الخلود في النار، ونظيرتها الجملة الواقعة بعد ذكر الخلود في الجنة، و " ما " في قوله: " ما شاء ربك " مصدرية والتقدير - على هذا - إلا أن يشاء ربك عدم خلودهم ولكن يضعفه قوله بعد:
" أن ربك فعال لما يريد " فإن " ما " ههنا موصولة، والمراد بقوله: " ما شاء " وقوله:
" ما يريد " واحد.
وإما موصولة والاستثناء من مدة البقاء المحكوم بالدوام الذي يستفاد من السياق، والمعنى هم خالدون في جميع الأزمنة المستقبلة المتتالية إلا ما شاء ربك من الزمان، أو الاستثناء من ضمير الجمع المستتر في خالدين، والمعنى هم جميعا خالدون فيها إلا من شاء الله أن يخرج منها ويدخل في الجنة فيكون تصديقا لما في الاخبار أن المذنبين والعصاة من المؤمنين لا يدومون في النار بل يخرجون منها ويدخلون الجنة بالآخرة للشفاعة، فإن
(٢٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 ... » »»
الفهرست