نسبة متساوية إلى كل فعل من أفعاله وتركه وهما بالقياس إليه سواء، فإذا أقترف الفعل مثلا تعين أحد الجانبين تعينا اضطراريا لاخبر عن الاختيار بعد ذلك، والآثار الضرورية التي تترتب على الفعل ومنها الجزاء الذي يكتسب بالفعل حالها حال الفعل بعد التحقق.
والنشأة الآخرة دار جزاء لا دار عمل فلا خبر هناك عن الاختيار الانساني وليس هناك إلا الانسان وعمله الذي أتى به وقد لزمه لزوما ضروريا، وما يرتبط به العمل من الصحائف والاشهاد وربه الذي إليه يرجع الامر وبيده الحكم الفصل فإذا دعي استجاب اضطرارا، كما قال تعالى: " يومئذ يتبعون الداعي لا عوج له " طه: 108 وقد كانوا في الدنيا يدعون إلى الحق فلا يستجيبون، وإذا تكلم عن سؤال لم يكن من سنخ التكلم الدنيوي الذي كان ناشئا عن اختياره وكاشفا عن أمر خبيئ في نفسه فقد ختم على فمه ولا سبيل له إلى التكلم بما يريد وكيفما يريد، قال تعالى: " اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون " يس: 65، وقال: " هذا يوم لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون " المرسلات: 36 فإن العذر إنما يكون في الجزاء الذي فيه شوب اختيار ولتحققه امكان وجود وعدم وأما العمل السئ المفروغ منه والجزاء الذي تعقبه ضرورة فلا مجري للعذر فيه، قال تعالى: " يا أيها الذين كفروا لا تعتذروا اليوم إنما تجزون ما كنتم تعملون " التحريم: 7 أي أن جزاءكم نفس عملكم الذي عملتموه، ولا يتغير ذلك بعذر ولا تعلل، وإنما كان يتغير لو كان جزاء دنيويا أمره بيد الحاكم المجازي يختار فيه ما يراه ويشاؤه.
وبالجملة: إذا تكلم هو عن سؤال كان تكلمه عن اضطرار إليه ومطابقا لما عنده من العمل الظاهر الذي لا ستر عليه هناك البتة، ولو تكلم كذبا كان ذلك من قبيل ظهور الملكات كما تقدم وعملا من أعماله يظهر ظهورا لا كلاما يعد جوابا لسؤال فيختم على فيه ويستنطق سمعه وبصره وجلده ويده ورجله ويحضر العمل الذي عمله ويستشهد الاشهاد والله على كل شئ شهيد.
فقد تلخص من جميع ما قدمناه أن معنى قوله: " لا تكلم نفس إلا بإذنه " أن التكلم يومئذ ليس على وتيرة التكلم الدنيوي كشفا اختيار يا عما في الضمير بحيث يمكن معه للمتكلم أن يصدق في كلامه أو يكذب فإن هذا التملك الاختياري الذي هو من