تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١١ - الصفحة ٢٤
وثانيتهما تحديد الامر الخالد الذي تبتدئ من يوم القيامة وهو كون الفريقين في الجنة والنار واستقرارهما فيهما، بما ينتهي أمد وجوده إلى يوم القيامة وهو السماوات والأرض، وهذا الاشكال الثاني أصعب من الأول لأنه وارد حتى على من لا يرى الخلود في النار أو في الجنة والنار معا بخلاف الأول.
والذي يحسم الاشكال أنه تعالى يذكر في كلامه أن في الآخرة أرضا وسماوات وإن كانت غير ما في الدنيا بوجه، قال تعالى: " يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات وبرزوا لله الواحد القهار " إبراهيم: 48، وقال حاكيا عن أهل الجنة: " وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوء من الجنة حيث نشاء " الزمر: 74، وقال يعد المؤمنين ويصفهم: " أولئك لهم عقبى الدار " الرعد: 22.
فللآخرة سماوات وأرض كما أن فيها جنة ونارا ولهما أهلا، وقد وصف الله سبحانه الجميع بأنها عنده، وقال: " ما عندكم ينفد وما عند الله باق " النحل: 96 فحكم بأنها باقية غير فانية.
وتحديد بقاء الجنة والنار وأهلهما بمدة دوام السماوات والأرض إنما هو من جهة أن السماوات والأرض مطلقا ومن حيث إنهما سماوات وأرض مؤبدة غير فانية، وإنما تفنى هذه السماوات والأرض التي في هذه الدنيا على النظام المشهود، وأما السماوات التي تظل الجنة مثلا والأرض التي تقلها وقد أشرقت بنور ربها فهي ثابتة غير زائلة فالعالم لا تخلو منهما قط، وبذلك يندفع الاشكالان جميعا.
وقد أشار في الكشاف إلى هذا الوجه إجمالا حيث قال: " والدليل على أن لها سماوات وأرضا قوله سبحانه: " يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات " وقوله سبحانه: " وأورثنا الأرض نتبوء من الجنة حيث نشاء " ولأنه لابد لأرض الآخرة مما تقلهم وتظلهم إما سماء يخلقها الله تعالى أو يظلهم العرش، وكل ما أظلك فهو سماء " انتهى.
وإن كان الوجه الذي أشار إليه ثانيا سخيفا لأنه إثبات للسماء والأرض من جهة الإضافة وأن الجنة والنار لابد أن يتصور لهما فوق وتحت فيكون الجنة والنار أصلا وسماؤهما وأرضهما تبعين لهما في الوجود، ولازمة تحديد بقاء سمائهما وأرضهما بمدة دوامها لا بالعكس كما فعل في الآية.
(٢٤)
مفاتيح البحث: يوم القيامة (2)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 ... » »»
الفهرست