فالعمل المتحقق بضرورة العلة التامة في عين هذا الحال له نسبة الوجوب إلى مجموع العلة التامة، ونسبة الامكان إلى إرادة الانسان، ولا تبطل نسبته الوجوبية إلى العلة التامة نسبته الامكانية إلى اراده الانسان، ولا تقلبها عن الامكان إلى الضرورة بل نسبة العمل إلى الانسان بالامكان دائما كما أن نسبته إلى المجموع الحاصل من الانسان وبقية أجزاء العلة التامة بالوجوب دائما، وطرفا الفعل والترك متساويان بالنسبة إلى الانسان أبدا كما أن أحد الطرفين من الفعل والترك متعين بالنظر إلى العلة التامة أبدا.
ينتج أن الفعل اختياري للانسان في عين أنه لا يخلو في وجوده عن علة تامة موجبة له، والقضاء الحتم من صفاته تعالى الفعلية منتزع عن مقام الفعل وهو سلسلة العلل المترتبة بحسب نظام الوجود وكون المعلولات ضرورية بالنسبة إلى عللها أي ضرورة كل مقضي بالنسبة إلى ما تعلق به من القضاء الإلهي لا ينافي كونه اختياريا للانسان نسبته إليه نسبة الامكان. فقد بان أنه أخذ نسبة العمل إلى الانسان نسبة وجوب لا إمكان بتوهم أن كون العمل واجب الثبوت بالقضاء الإلهي يوجب كونه واجب الثبوت بالنسبة إلى الانسان لا ممكنه.
وبتقرير آخر واضح تعلق علمه تعالى مثلا بأن خشبة كذا ستحرق بالنار يوجب وجوب تحقق الاحتراق المقيد بالنار لأنه الذي تعلق به العلم الحق لا وجوب تحقق الاحتراق مطلقا سواء كانت هناك نار أو لم تكن إذ لم يتحقق علم بهذه الصفة، وكذا علمه تعالى بأن الانسان سيعمل باختياره وإرادته عملا أو انه سيشقى لعمل اختياري كذا يوجب وجوب تحقق العمل من طريق اختيار الانسان لا وجوب تحقق عمل كذا سواء كان هناك اختيار أو لم يكن وسواء كان هناك انسان أو لم يكن حتى تنقطع به رابطة التأثير بين الانسان وعمله، ونظيره علمه بأن انسانا كذا سيشقى بكفره اختياريا يستوجب تحقق الشقوة التي عن الكفر دون الشقوة مطلقة سواء كان هناك كفر أو لا.
فاتضح أن علمه تعالى بعمل الانسان لا يستوجب بطلان الاختيار وثبوت الاجبار وإن كان معلومه تعالى لا يتخلف عن علمه له الحكم لا معقب لحكمه.
قوله تعالى: " فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق " قال في المجمع:
الزفير أول نهاق الحمار والشهيق آخر نهاقه انتهى. وقال في الكشاف: الزفير إخراج