تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١١ - الصفحة ٢٦
الوجه الثاني: أن المراد سماوات الجن ة والنار وأرضهما أي ما يظلهما وما يقلهما فإن كل ما علاك وأظلك فهو سماء وما استقرت عليه قدمك فهو أرض، وبعبارة أخرى المراد بهما ما هو فوقهما وما تحتهما.
وهذا هو الوجه الذي ذكره الزمخشري في آخر ما نقلناه من كلامه آنفا، وقد عرفت الاشكال فيه على أن هذا الوجه لا يفي لبيان السبب في إيراد السماوات في الآية بلفظ الجمع كما تقدم.
الوجه الثالث: أن المراد ما دامت الآخرة وهي دائمة أبدا كما أن دوام السماء والأرض في الدنيا قدر مدة بقائها، ولعل المراد أن قوله " ما دامت السماوات والأرض " موضوع وضع التشبيه كقولك: كلمته تكليم المستهزئ الهازئ به أي مثل تكليم من يستهزئ ويهزء به.
وفيه: أنه لو أريد بذلك التشبيه كما ذكرناه أفاد خلاف المقصود أعني الانقطاع، ولو أريد غير ذلك لم يف بذلك اللفظ.
الوجه الرابع: أن المراد به التبعيد وأفادة الأبدية لا أن المراد به التحديد بمدة بقاء السماوات والأرض بعينها فأن للعرب ألفاظا كثيرة يستخدمونها في إفادة التأييد من غير إن يريدوا بها المعاني التي تحت تلك الألفاظ كقولهم: الامر كذا وكذا ما اختلف الليل والنهار، وما ذر شارق، وما طلع نجم، وما هبت نسيم، وما دامت السماوات وقد استراحوا إليها وإلى أشباهها ظنا منهم أن هذه الأشياء دائمة باقية لا تبيد إبدا ثم استعملوها كأنها موضوعة للتبعيد.
وفيه: أنهم إنما استعملوها في التأبيد وأكثروا منه ظنا منهم أن هذه الأمور دائمة مؤبدة، وأما من يصرح في كلامه بأنها مؤجلة الوجود منقطعة فانية ويعد الايمان بذلك إحدى فرائض النفوس فلا يحسن منه وضعها في الكلام موضع التأبيد بأي صورة تصورت. كيف لا؟ وقد قال تعالى: " ما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى " الأحقاف: 3 وكيف يصح مع ذلك أن يقال: إن الجنة والنار خالدتان أبدا ما دامت السماوات والأرض.
الوجه الخامس: أن يكون المراد أنهم خالدون بمده بقاء السماوات والأرض التي
(٢٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 ... » »»
الفهرست