ولم يسأله ما سأل الا ليتقلد بنفسه ادارة أمر الميرة وأرزاق الناس فيجمعها ويدخرها للسنين السبع الشداد التي سيستقبل الناس وتنزل عليهم جدبها ومجاعتها ويقوم بنفسه لقسمة الأرزاق بين الناس واعطاء كل منهم ما يستحقه من الميرة من غير حيف.
وقد علل سؤاله ذلك بقوله " انى حفيظ عليم " فان هاتين الصفتين هما اللازم وجودهما فيمن يتصدى مقاما هو سائله ولا غنى عنهما له وقد أجيب إلى ما سأل واشتغل بما كان يريده كل ذلك معلوم من سياق الآيات وما يتلوها.
قوله تعالى: " وكذلك مكنا ليوسف في الأرض يتبوء منها حيث يشاء نصيب برحمتنا من نشاء ولا نضيع اجر المحسنين " التمكين هو الاقدار والتبوء اخذ المكان.
والإشارة بقوله كذلك إلى ما ساقه من القصة بما انتهى إلى نيله (ع) عزة مصر وهو حديث السجن وقد كانت امرأة العزيز هددته بالصغار بالسجن فجعله الله سببا للعزة وعلى هذا النمط كان يجرى امره (ع) أكرمه أبوه فحسده اخوته فكادوا به بالقائه في غيابة الجب وبيعه من السيارة ليذلوه فأكرم الله مثواه في بيت العزيز وكادت به امرأة العزيز ونسوة مصر ليوردنه مورد الفجور فأبان الله عصمته ثم كادت به بالسجن لصغاره فتسبب الله بذلك لعزته.
وللإشارة إلى أمر السجن وحبسه وسلبه حرية الاختلاط والعشرة قال تعالى:
" وكذلك مكنا ليوسف في الأرض يتبوء منها حيث يشاء " أي رفعنا عنه حرج السجن الذي سلب منه اطلاق الإرادة فصار مطلق المشية له ان يتبوء في أي بقعة يشاء فهذا الكلام بوجه يحاذي قوله تعالى السابق فيه حين دخل بيت العزيز ووصاه امرأته: " وكذلك مكنا ليوسف في الأرض ولنعلمه من تأويل الأحاديث والله غالب على امره. " وبهذه المقايسة يظهر ان قوله ههنا " نصيب برحمتنا من نشاء " في معنى قوله هناك والله غالب على امره وان المراد ان الله سبحانه إذا شاء ان يصيب برحمته أحدا لم يغلب في مشيته ولا يسع لأي مانع مفروض ان يمنع من اصابته ولو وسع لسبب ان يبطل مشية الله في أحد لوسع في يوسف الذي تعاضدت الأسباب القاطعة وتظاهرت لخفضه فرفعه الله ولا ذلا له فأعزه الله ان الحكم الا لله.