تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١١ - الصفحة ٢٠٠
بالفعل فيما كان من خلواتي بيوسف في غيبته عنا وان كل ما وقع انى راودته عن نفسه فاستعصم وامتنع فبقى عرض زوجي مصونا وشرفه محفوظا ولئن برأت يوسف من الاثم فما أبرئ منه نفسي ان النفس لامارة بالسوء الا ما رحم ربى.
وفيه ان الكلام لو كان من كلامها وهى تريد ان تطيب به نفس زوجها وتزيل أي ريبة عن قلبه انتج خلاف المطلوب فان قولها " الآن حصحص الحق انا راودته عن نفسه وانه لمن الصادقين " انما يفيد العلم بأنها راودته عن نفسه واما شهادتها انه امتنع ولم يطعها فيما امرته به فهى شهادة لنفسها لا عليها وكان من الممكن انها انما شهدت له لتطيب نفس زوجها وتزيل ما عنده من الشك والريب فاعترافها وشهادتها لا توجب في نفسها علم العزيز انها لم تخنه بالغيب.
مضافا إلى أن قوله " وما أبرئ نفسي " الخ يكون حينئذ تكرارا لمعنى قولها انا راودته عن نفسه وظاهر السياق خلافه على أن بعض الاعتراضات الواردة على الوجه السابق وارد عليه.
قوله تعالى: " وقال الملك ائتوني به استخلصه لنفسي فلما كلمه قال إنك اليوم لدينا مكين امين " يقال استخلصه أي جعله خالصا والمكين صاحب المكانة والمنزلة وفي قوله فلما كلمه حذف للايجاز والتقدير فلما اتى به إليه وكلمه قال إنك اليوم الخ وفي تقييد الحكم باليوم إشارة إلى التعليل والمعنى انك اليوم وقد ظهر من مكارم أخلاقك في التجنب عن السوء والفحشاء والخيانة والظلم والصبر على كل مكروه وصغار في سبيل طهارة نفسك واختصاصك بتأييد من ربك غيبي وعلم بالأحاديث والرأي والحزم والحكمة والعقل لدينا ذو مكانة وامانة وقد اطلق قوله مكين امين فأفاد بذلك عموم الحكم.
والمعنى وقال الملك ائتوني بيوسف اجعله خالصا لنفسي وخاصة لي فلما اتى به إليه وكلمه قال له انك اليوم وقد ظهر من كمالك ما ظهر لدينا ذو مكانة مطلقة وامانة مطلقة يمكنك من كل ما تريد ويأتمنك على جميع شؤون الملك وفي ذلك حكم صدارته.
قوله تعالى: " قال اجعلني على خزائن الأرض انى حفيظ عليم " لما عهد الملك ليوسف انك اليوم لدينا مكين امين وأطلق القول سأله يوسف (ع) ان ينصبه على خزائن الأرض ويفوض إليه أمرها والمراد بالأرض ارض مصر.
(٢٠٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 195 196 197 198 199 200 201 202 203 204 205 ... » »»
الفهرست