تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١١ - الصفحة ١٩٩
ليعلم إذا بلغه عنى هذا الكلام انى لم أخنه بالغيب بل اعترفت بأن المراودة كانت من قبلي انا وانه كان صادقا وان الله لا يهدى كيد الخائنين كما أنه لم يهد كيدي انا إذ كدته بأنواع المراودة وبالسجن بضع سنين حتى أظهر صدقه في قوله وطهارة ذيله وبراءة نفسه وفضحني امام الملك والملا ولم يهد كيد سائر النسوة في مراودتهن وما أبرئ نفسي من السوء مطلقا فانى كدت له بالسجن ليلجأ به إلى أن يفعل ما آمره ان النفس لامارة بالسوء الا ما رحم ربى ان ربى غفور رحيم.
وهذا وجه ردئ جدا اما اولا فلان قوله " ذلك ليعلم انى لم أخنه بالغيب " لو كان من كلام امرأة العزيز لكان من حق الكلام ان يقال وليعلم انى لم أخنه بالغيب بصيغة الامر فان قوله ذلك على هذا الوجه إشارة إلى اعترافها بالذنب وشهادتها بصدقه فقوله لم أخنه بالغيب ان كان عنوانا لاعترافها وشهادتها مشارا به إلى ذلك خلى الكلام عن الفائدة فان محصل معناه حينئذ انما اعترفت وشهدت ليعلم انى اعترفت وشهدت له بالغيب مضافا إلى أن ذلك يبطل معنى الاعتراف والشهادة لدلالته على انها انما اعترفت وشهدت ليسمع يوسف ذلك ويعلم به لا لاظهار الحق وبيان حقيقة الامر.
وان كان عنوانا لاعمالها طول غيبته إذ لبث بضع سنين في السجن أي انما اعترفت وشهدت له ليعلم انى لم أخنه طول غيبته فقد خانته إذ كادت به فسجن ولبث في السجن بضع سنين مضافا إلى أن اعترافها وشهادتها لا يدل على عدم خيانتها له بوجه من الوجوه وهو ظاهر.
واما ثانيا فلانه لا معنى حينئذ لتعليمها يوسف ان الله لا يهدى كيد الخائنين وقد ذكرها يوسف به أول حين إذ راودته عن نفسه فقال إنه لا يفلح الظالمون.
واما ثالثا فلان قولها وما أبرئ نفسي فقد خنته بالكيد له بالسجن يناقض قولها لم أخنه بالغيب كما لا يخفى مضافا إلى أن قوله " ان النفس لامارة بالسوء الا ما رحم ربى ان ربى غفور رحيم " على ما فيه من المعارف الجليلة التوحيدية ليس بالحرى ان يصدر من امرأة أحاطت بها الأهواء وهى تعبد الأصنام.
وذكر بعضهم وجها آخر في معنى الآيتين بارجاع ضمير ليعلم ولم أخنه إلى العزيز وهو زوجها فهى كأنها تقول ذاك الذي حصل أقررت به ليعلم زوجي انى لم أخنه
(١٩٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 194 195 196 197 198 199 200 201 202 203 204 ... » »»
الفهرست