تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١١ - الصفحة ١٩٤
منامه من البقرات السبع سمانا وعجافا فإن هذا هو المعهود ومنه يظهر وجه تخصيص الغيث والعصر بالذكر في هذه الآية والله أعلم.
قوله تعالى: " وقال الملك ائتوني به فلما جاءه الرسول قال ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن ان ربي بكيدهن عليم " في الكلام حذف واضمار ايجازا والتقدير على ما يدل عليه السياق والاعتبار بطبيعة الأحوال وجاء الرسول وهو الساقي فنبأهم بما ذكره يوسف من تأويل الرؤيا وقال الملك بعد ما سمعه: ائتوني به.
وظاهر ان الذي أنبأه من جدب سبع سنين متوالية كان أمرا عظيما والذي أشار إليه من الرأي البين الصواب أعظم منه واغرب عند الملك المهتم بأمر أمته المعتني بشؤون مملكته وقد افزعه ما سمع وأدهشه ولذلك أمر باحضاره ليكلمه ويتبصر بما يقوله مزيد تبصر ويشهد بهذا ما حكاه الله من تكليمه إياه بقوله: " فلما جاءه وكلمه " الخ.
ولم يكن امره باتيانه به اشخاصا له بل اطلاقا من السجن واشخاصا للتكليم ولو كان اشخاصا واحضارا لمسجون يعود إلى السجن بعد التكليم لم يكن ليوسف (ع) ان يستنكف عن الحضور بل أجبر عليه اجبارا بل كان احضارا عن عفو واطلاق فوسعه ان يأتي الحضور ويسأله ان يقضي فيه بالحق وكانت نتيجة هذا الاباء والسؤال ان يقول الملك ثانيا: ائتوني به استخلصه لنفسي بعد ما قال اولا ائتوني به وقد راعى (ع) أدبا بارعا في قوله للرسول: " ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن " فلم يذكر امرأة العزيز بما يسوؤه وليس يريد الا ان يقضى بينه وبينها وانما أشار إلى النسوة اللاتي راودنه ولم يذكرهن أيضا بسوء الا بأمر يظهر بالتحقيق فيه براءته ولا براءته من مراودة امرأة العزيز بل نزاهته من أي مراودة وفحشاء تنسب إليه فقد كان بلاؤه عظيما.
ولم يذكرهن بشئ من المكروه الا ما في قوله " ان ربى بكيدهن عليم وليس الا نوعا من بث الشكوى لربه.
وما الطف قوله في صدر الآية وذيلها حيث يقول للرسول: " ارجع إلى ربك فاسأله " ثم يقول إن ربى بكيدهن عليم وفيه نوع من تبليغ الحق وليكن فيه
(١٩٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 189 190 191 192 193 194 195 196 197 198 199 ... » »»
الفهرست