الكون العام المرتبط بعض أجزائه ببعض، وهو مركب إرادة الله تعالى هو الحامل للشريعة الفطرية الانسانية، والداعي إلى دين الله الحنيف.
فالدين الحق هو حكم الله سبحانه لا حكم إلا له، وهو المنطبق على الخلقة الإلهية، وما وراءه من حكم هو باطل لا يسوق الانسان إلا إلى الشقاء والهلاك ولا يهديه إلا إلى عذاب السعير.
ومن هنا ينحل ما تقدم من العقدتين فإن الحكم لما كان لله سبحانه وحده كان كل حكم دائر بين الناس إما حكما لله حقيقة مأخوذا من لدنه بوحي أو رسالة أو حكما مفترى على الله، ولا ثالث للقسمين.
على أن المشركين كانوا ينسبون أمثال هذه الأحكام التي ابتدعوها واستنوا بها فيما بينهم إلى الله سبحانه كما يشير إليه قوله تعالى: (وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها) الآية الأعراف: 28.
قوله تعالى: (وما ظن الذين يفترون على الله الكذب يوم القيامة) إلى آخر الآية، لما كان جواب الاستفهام المتقدم: (آلله أذن لكم أم على الله تفترون) معلوما من المورد، وهو أنه افتراء، استعظم وخامة عاقبته فإنه افتراء على الله سبحانه والافتراء من الآثام والذنوب بحكم البداهة فلا محاله له أثر سئ، ولذلك قال تعالى إيعادا وتهديدا: (وما ظن الذين يفترون على الله الكذب يوم القيامة).
وأما قوله: (إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثرهم لا يشكرون) فهو شكوى وعتبى يشار به إلى ما اعتاد عليه الناس من كفران أكثرهم لنعمة الله، وعدم شكرهم قبال عطيته ونعمته، والمراد بالفضل ههنا هو العطية الإلهية فإن الكلام في الرزق الذي أنزله الله لهم وهو الفضل، وتحريمهم بعضه وهو الكفران وعدم الشكر.
وبرجوع ذيل الآية إلى صدرها يكون الافتراء على الله من مصاديق كفران نعمته، والمعنى أن الله ذو فضل وعطاء على الناس ولكن أكثرهم كافرون لنعمته وفضله فما ظن الذين يكفرون بنعمة الله ورزقه بتحريمه افتراء على الله الكذب يوم القيامة.