قوله تعالى: (وما تكون في شأن وما تتلوا منه من قرآن ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا) إلى آخر الآية، قال الراغب: الشأن الحال والامر الذي يتفق ويصلح، ولا يقال إلا فيما يعظم من الأحوال والأمور قال: (كل يوم هو في شأن). انتهى.
وقوله: (وما تتلوا منه من قرآن) الظاهر أن الضمير إلى الله سبحان ومن الأولى للابتداء والنشوء والثانية للبيان، والمعنى: ولا تتلو شيئا هو القرآن ناشئا ونازلا من قبله تعالى، والإفاضة في الفعل الخوض فيه جمعا.
وقد وقع في قوله: (إلا كنا عليكم شهودا) التفات من الغيبة إلى التكلم مع الغير، والنكتة فيه الإشارة إلى كثرة الشهود فإن لله شهودا على أعمال الناس من الملائكة والناس والله من ورائهم محيط، والعظماء يتكلمون عنهم وعن غيرهم للدلالة على أن لهم أعوانا وخدمة.
وليس ينبغي أن يغفل عن أن أصل الالتفات يبدأ من أول الآية فإن الآيات السابقة كانت تخاطب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتأخذ المشركين على الغيبة وتكلمهم بوساطته من غير أن تواجهه بشئ من الخطاب يخص نفسه، وقد حولت هذه الآية وجه الكلام إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بما يخص به نفسه فقالت: (وما تكون من شأن وما تتلوا منه من قرآن) ثم جمعته والمشركين وغيرهم جميعا في خطاب واحد فقالت: (ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا) وذلك بضمهم إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهم على غيبتهم وبسط الخطاب على الجميع بنوع من التغليب كما تقول لمخاطبك: أنت وقومك تفعلون كذا وكذا.
والدليل على أن هذا الخطاب بنحو الضم والتغليب قوله بعده: (وما يعزب عن ربك) الخ، فإنه يكشف عن كون الخطاب معه صلى الله عليه وآله وسلم جاريا على ما كان.
وعلى أي حال فالتحول المذكور في خطاب الآية للإشارة إلى أن السلطنة والاحاطة التامة الإلهية واقعة على الأعمال شهادة وعلما على أتم ما يكون من كل جهة من غير أن يستثنى منه نبي ولا مؤمن ولا مشرك أو يغفل عن عمل من الأعمال فلا يتوهمن أحد أن الله يخفى عليه شئ من أمره فلا يحاسبه عليه يوم القيامة،