ما يرجع إليه من أمر، وهو الايمان الكامل الذي تتم به للعبد عبوديته.
قال تعالى: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما) النساء: 65، والأشبه أن تكون هذه المرتبة من الايمان أو ما يقرب منه هو المراد بالآية أعني قوله: (الذين آمنوا وكانوا يتقون) فإنه الايمان المسبوق بتقوى مستمر دون الايمان بمرتبته الأولى كما تقدم.
على أن توصيفه أهل هذا الايمان بأنهم (لا خوف عليهم ولا هم يحزنون) يدل على أن المراد منه الدرجة العالية من الايمان الذي يتم معه معنى العبودية والمملوكية المحضة للعبد الذي يرى معه أن الملك لله وحده لا شريك له، وأن ليس إليه من الامر شئ حتى يخاف فوته أو يحزن لفقده.
وذلك أن الخوف إنما يعرض للنفس عن توقع ضرر يعود إليها، والحزن إنما يطرء عليها لفقد ما تحبه أو تحقق ما تكرهه مما يعود إليها نفعه أو ضرره، ولا يستقيم تحقق ذلك إلا فيما يرى الانسان لنفسه ملكا أو حقا متعلقا بما يخاف عليه أو يحزن لفقده من ولد أو مال أو جاه أو غير ذلك. وأما ما لا علقه للانسان به بوجه من الوجوه أصلا فلا يخاف الانسان عليه ولا يحزن لفقده البتة.
والذي يرى كل شئ ملكا طلقا لله سبحانه لا يشاركه في ملكه أحد لا يرى لنفسه ملكا أو حقا بالنسبة إلى شئ حتى يخاف في امره أو يحزن، وهذا هو الذي يصفه الله من أوليائه إذ يقول: (الا ان أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون) فهؤلاء لا يخافون شيئا ولا يحزنون لشئ لا في الدنيا ولا في الآخرة إلا ان يشاء الله وقد شاء ان يخافوا من ربهم وان يحزنوا لما فاتهم من كرامته ان فاتهم وهذا كله من التسليم لله فافهم ذلك.
فاطلاق الآية يفيد اتصافهم بهذين الوصفين: عدم الخوف وعدم الحزن في النشأتين الدنيا والآخرة، واما مثل قوله تعالى: (إلا المتقين يا عباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون الذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين) الزخرف: 70 فان ظاهر الآيات وان كان هو انها تريد الأولياء بالمعنى الذي تصفه الآية التي نحن فيها إلا ان اثبات عدم الخوف والحزن لهم يوم القيامة لا ينفى ذلك عنهم في غيره. نعم