ينزله الله من السماء، فوجه بسيط لا يطرد على تقدير صحته في جميع الموارد التي عبر فيها عن كينونتها بالانزال كما في الانعام وفي الحديد، والرزق الذي تذكر الآية ان الله أنزله لهم فجعلوا منه حراما وحلالا هو الانعام من الإبل والغنم كالوصيلة والسائبة والحام وغيرها.
واللام في قوله: (لكم) للغاية وتفيد معنى النفع أي انزل الله لاجلكم ولتنتفعوا به، وليست للتعدية فان الانزال انما يتعدى بعلى أو إلى، ومن هنا أفاد الكلام معنى الإباحة والحل أي أنزلها الله فأحلها، وهذا هو النكتة في تقديم التحريم على الاحلال في قوله: (فجعلتم منه حراما وحلالا) أي كان الله أحله لكم بانزاله رزقا لكم تنتفعون به في حياتكم وبقائكم ولكنكم قسمتموه قسمين من عند أنفسكم فحرمتم قسما وأحللتم آخر فالمعنى: قل لهم يا محمد: أخبروني عما انزل الله لكم ولأجلكم من الرزق الحلال فقسمتموه قسمين وجعلتم بعضه حراما وبعضه حلالا ما هو السبب في ذلك؟ ومن البين انه افتراء على الله لا عن إذن منه تعالى.
وقوله: (قل آلله اذن لكم أم على الله تفترون) سؤال عن سبب تقسيمهم الرزق إلى حرام وحلال، وإذ كان من البين انه ليس ذلك عن اذن منه تعالى لعدم اتصالهم بربهم بوحي أو رسول كان من المتعين انه افتراء فالاستفهام في سياق الترديد كناية عن اثبات الافتراء لهم وتوبيخ وذم.
والذي يقضى به النظر الابتدائي ان الترديد في الآية غير حاصر إذ كما يجوز ان يكون تقسيمهم رزق الله إلى حرام وحلال عن اذن من الله أو افتراء عليه تعالى كذلك يجوز ان يكون عن مصلحة أحرزوها أو زعموها في ذلك أو عن هوى لهم فيه من غير أن ينسبوه إلى الله تعالى فيكون افتراء عليه.
ومن وجه آخر الترديد في الآية بين إذن الله والافتراء على الله يشعر بأن الحكم إنما هو لله فالحكم بكون بعض الرزق حراما وبعضه حلالا وهو دائر بينهم إما أن يكون من الله أو افتراء عليه، ومن الممكن أن يمنع ذلك في بادئ النظر فكثير من السنن الدائرة بين الناس كونتها طبيعة مجتمعهم أو عادتهم القومية وغير ذلك.