والهدى، وما رحم المؤمنين به من الحياة الطيبة ذلك أحق ان يفرحوا به دون ما يجمعونه من المال.
وربما تأيد هذا الوجه بقوله سبحانه: (ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحد ابدا ولكن الله يزكى من يشاء) النور: 21 حيث نسب زكاتهم إلى الفضل والرحمة معا واستناد الزكاة إلى الفضل بمعنى العطية العامة بعيد عن الفهم، ومما يؤيد هذا الوجه ملائمته لما ورد في الرواية من تفسير الآية بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وعلي عليه السلام أو بالقرآن والاختصاص به وسيجئ إن شاء الله.
وقوله: (فبذلك فليفرحوا) ذكروا ان الفاء في قوله: (فليفرحوا) زائدة كقول الشاعر: (فإذا قتلت فعند ذلك فاجزعي) والظرف أعني قوله: (فبذلك) بدل من قوله: (بفضل الله وبرحمته) ومتعلق بقوله: (فليفرحوا) قدم عليه لإفادة الحصر، وقوله: (هو خير مما يجمعون) بيان ثان لمعنى الحصر.
فظهر بذلك كله ان الآية تفريع على مضمون الآية السابقة فإنه تعالى لما خاطب الناس امتنانا عليهم بأن هذا القرآن موعظة لهم وشفاء لما في صدورهم وهدى ورحمة للمؤمنين منهم فرع عليه انه ينبغي لهم حينئذ ان يفرحوا بهذا الذي أمتن به عليهم من الفضل والرحمة لا بالمال الذي يجمعونه فان ذلك - وفيه سعادتهم وما تتوقف عليه سعادتهم - خير من المال الذي ليس إلا فتنة ربما أهلكتهم وأشقتهم.
قوله تعالى: (قل أرأيتم ما انزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا) إلى آخر الآية. نسبة الرزق وهو ما يمد الانسان في بقائه من الأمور الأرضية من مأكول ومشروب وملبوس وغيرها إلى الانزال مبنى على حقيقة يفيدها القرآن وهى ان الأشياء لها خزائن عند الله تتنزل من هناك على حسب ما قدرها الله سبحانه، قال تعالى: (وان من شئ إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم) الحجر: 21 وقال تعالى: (وفي السماء رزقكم وما توعدون) الذاريات: 22 وقال: (وأنزل لكم من الانعام ثمانية أزواج) الزمر: 6 وقال: (وأنزلنا الحديد) الحديد: 25.
واما ما قيل: ان التعبير بالانزال انما هو لكون ارزاق العباد من المطر الذي