والمؤمن حقا ولى ربه لأنه يلي منه إطاعته في أمره ونهيه ويلى منه عامة البركات المعنوية من هداية وتوفيق وتأييد وتسديد وما يعقبها من الاكرام بالجنة والرضوان.
فأولياء الله - على أي حال - هم المؤمنون فان الله يعد نفسه وليا لهم في حياتهم المعنوية حيث يقول: (والله ولى المؤمنين) آل عمران: 68.
غير أن الآية التالية لهذه الآية المفسرة للكلمة تأبى أن تكون الولاية شاملة لجميع المؤمنين وفيهم أمثال الذين يقول الله سبحانه فيهم: (وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون) يوسف: 106 فإن قوله في الآية التالية: (الذين آمنوا وكانوا يتقون) يعرفهم بالايمان والتقوى مع الدلالة على كونهم على تقوى مستمر سابق على إيمانهم من حيث الزمان حيث قيل: (آمنوا) ثم قيل عطفا عليه: (وكانوا يتقون) فدل على أنهم كانوا يستمرون على التقوى قبل تحقق هذا الايمان منهم ومن المعلوم أن الايمان الابتدائي غير مسبوق بالتقوى بل هما متقاربان أو هو قبل التقوى وخاصة التقوى المستمر.
فالمراد بهذه الايمان مرتبة أخرى من مراتب الايمان غير المرتبة الأولى منه.
فقد تقدم في الجزء الأول من الكتاب آية 130 من البقرة أن لكل من الايمان والاسلام وكذا الشرك والكفر مراتب مختلفة بعضها فوق بعض فالمرتبة الأولى من الاسلام إجراء الشهادتين لسانا والتسليم ظاهرا، وتليه المرتبة الأولى من الايمان وهو الاذعان بمؤدى الشهادتين قلبا إجمالا وإن لم يسر إلى جميع ما يعتقد في الدين من الاعتقاد الحق، ولذا كان من الجائز أن يجتمع مع الشرك من بعض الجهات، قال تعالى:
(وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون) يوسف: 106.
ولا يزال إسلام العبد يصفو وينمو حتى يستوعب تسليمه لله سبحانه في كل ما يرجع إليه واليه مصير كل أمر، وكلما ارتفع الاسلام درجة ورقى مرتبة كان الايمان المناسب له الاذعان بلوازم تلك المرتبة حتى يسلم العبد لربه حقيقة معنى ألوهيته، وينقطع عنه السخط والاعتراض فلا يسخط لشئ من أمره من قضاء وقدر وحكم، ولا يعترض على شئ من إرادته، وبإزاء ذلك الايمان باليقين بالله وجميع