قوله تعالى: (يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم) إلى آخر الآية.
قال الراغب في المفردات: الوعظ زجر مقترن بتخويف، وقال الخليل: هو التذكير بالخير فيما يرق له القلب، والعظة والموعظة الاسم، انتهى. والصدر معروف والناس لما وجدوا القلب في الصدر وهم يرون أن الانسان إنما يدرك ما يدرك بقلبه وبه يعقل الأمور ويحب ويبغض ويريد ويكره ويشتاق ويرجو ويتمنى، عدوا الصدر خزانة لما في القلب من أسراره والصفات الروحية التي في باطن الانسان من فضائل ورذائل، وفي الفضائل صحة القلب واستقامته، وفي الرذائل سقمه ومرضه، والرذيلة داء يقال: شفيت صدري بكذا إذا ذهب به ما في صدره من ضيق وحرج، ويقال: شفيت قلبى، فشفاء الصدور وشفاء ما في الصدور كناية عن ذهاب ما فيها من الصفات الروحية الخبيثة التي تجلب إلى الانسان الشقاء وتنغص عيشته السعيدة وتحرمه خير الدنيا والآخرة.
والهدى هي الدلالة على المطلوب بلطف على ما ذكره الراغب، وقد تقدم في ذيل قوله تعالى: (فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للاسلام) الانعام: 125 في الجزء السابع من الكتاب بحث فيها.
والرحمة تأثر خاص في القلب عن مشاهدة ضر أو نقص في الغير يبعث الراحم إلى جبر كسره وإتمام نقصه، وإذا نسبت إليه تعالى كان بمعنى النتيجة دون أصل التأثر لتنزهه تعالى عن ذلك فينطبق على مطلق عطيته تعالى وإفاضته الوجود على خلقه.
وعطيته إذا نسبت إلى مطلق خلقه كانت هي ما ينسب إليه تعالى من وجودهم وبقائهم ورزقهم الذي يمد به بقاؤهم وسائر ما ينعم به عليهم من نعمه التي لا تحصى كثرة وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها، وإذا نسبت إلى المؤمنين خاصة كانت هي ما يختص بهم من سعادة الحياة الانسانية بمظاهرها المختلفة التي ينعم الله بها عليهم من المعارف الحقة الإلهية والأخلاق الكريمة والأعمال الصالحة، والحياة الطيبة في الدنيا والآخرة والجنة والرضوان.
ومن ثم إذا وصف القرآن بأنه رحمة للمؤمنين كان معناه أنه يغشى المؤمنين