سبحانه الامر في ذلك بظلمة الليل الداعية إلى تجديد تجهيز القوى بعد ما لحقها من العي والتعب والنصب وإلى الارتياح والانس بالأهل والتمتع مما جمع واكتسب بالنهار والفراغ للعبودية، وبضوء النهار الباعث إلى الرؤية فالاشتياق فالطلب.
قوله تعالى: (قالوا اتخذ الله ولدا سبحانه هو الغنى له ما في السماوات وما في الأرض) إلى آخر الآية. الاستيلاد بمعناه المعروف عند الناس هو ان يفصل الموجود الحي بعض اجزاء مادته فيربيه بالحمل أو البيض تربية تدريجية حتى يتكون فردا مثله، والانسان من بينها خاصة ربما يطلب الولد ليكون عونا له على نوائب الدهر وذخرا ليوم الفاقة، وهذا المعنى بجميع جهاته محال عليه تعالى فهو عز اسمه منزه عن الاجزاء متعال عن التدريج في فعله برئ عن المثل والشبه مستغن عن غيره بذاته.
وقد نفى القرآن الولد عنه بالاحتجاج عليه من كل من الجهات المذكورة كما تعرض لنفيه من جميعها في قوله: (وقالوا اتخذ الله ولدا سبحانه بل له ما في السماوات والأرض كل له قانتون بديع السماوات والأرض وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون) البقرة: 117 وقد مرت الإشارة إلى ذلك في تفسير الآيات في الجزء الأول من الكتاب.
واما الآية التي نحن فيها فهى مسوقة للاحتجاج على نفى الولد من الجهة الأخيرة فحسب وهو ان الغرض من وجوده الاستعانة به عند الحاجة وذلك انما يتصور فيمن كان بحسب طبعه محتاجا فقيرا، والله سبحانه هو الغنى الذي لا يخالطه فقر فإنه المالك لما فرض في السماوات والأرض من شئ.
وقوله: (ان عندكم من سلطان) أي برهان (بهذا) اثبات لكونهم انما قالوه جهلا من غير دليل فيكون محصل المعنى انه لا دليل لكم على ما قلتموه بل الدليل على خلافه وهو انه تعالى غنى على الاطلاق، والولد انما يطلبه من به فاقة وحاجة، والكلام على ما اصطلح عليه في فن المناظرة من قبيل المنع مع السند.
وقوله: (أتقولون على الله ما لا تعلمون) توبيخ لهم في قولهم ما ليس لهم به