أو تغيرت عليه عقائد الناس بسبب من الأسباب سلبته ما عنده من ملك وقدرة، ومعنى وقوع ما أراده أو أحبه أن الأسباب الكونية ساعدته على ذلك ووافقته على ما أحبه، ولو لم تساعده ولم توافقه كلية الأسباب لم يكن له أن يضطرها إلى الخضوع لما يتوهم لنفسه من القدرة كما لا توافقه على مثل الموت والحياة والشباب والشيب والصحة والمرض وأمور أخرى كثيرة فليس له من الامر شئ.
لكنه سبحانه مالك لخلقه بمعنى أن وجود كل شئ قائم به متكون متحول بأمره منوط باذنه، وما تصرف فيه من شئ فإنما يتصرف عن نفسه لا عن اقتضاء من مقتض خارج مؤثر فيه أو عدم مانع يعوقه عن فعله فلا ينتسب شئ إلا إليه تعالى نفسه أو إلى غيره بإذنه بمقدار ما أذن فكيف يمكن أن يتخلف عن مشيته شئ فيرجع إلى غيره ولا غير هناك يرجع نحوه وينتسب إليه؟
وقوله تعالى فعله بما يدل بنفسه على مراده فكيف يتسرب إليه الكذب وهو متن الخارج، والعين الخارجي لا كذب فيه؟ وإنما الكذب والخطأ شأن المفاهيم الذهنية من حيث انطباقها على الخارج، وكيف يكون وعده باطلا ووعده لنا هو فعله الغائب عن نظرنا المستقبل لنا، وقد وجه كليه الأسباب إليه ولا مرد له؟
فإمعان النظر في هذه الحقائق ينور للباحث المتدبر معنى ملكه تعالى لما في السماوات والأرض، وأن لازم ذلك أن وعد الله حق، وأن الارتياب فيه إنما هو من الجهل بمقامه تعالى.
ولذلك قال تعالى أولا: (ألا إن لله ما في السماوات والأرض) ثم عقبه بقوله كالاستنتاج منه: (ألا إن وعد الله حق) ثم استدرك فقال: (ولكن أكثرهم لا يعلمون) ثم بين ملكه بقوله: (هو يحيى ويميت) الخ في الآية التالية.
قوله تعالى: (هو يحيى ويميت واليه ترجعون) احتجاج على ما تقدم في الآية السابقة من ملكه تعالى بالنسبة إلى نوع الانسان كأنه تعالى يقول: إن أمركم جميعا من حياة وموت ورجوع إليه تعالى فكيف لا تكونون ملكا له.