آلهتكم ومن بلغاء أهل لسانكم العارفين بأساليب الكلام وعلماء أهل الكتاب الذين عندهم الكتب السماوية وأخبار الأنبياء والأمم والكهنة المستمدين من إلقاء شياطين الجن، وجهابذة العلم والفهم من سائر الناس المتعمقين في المعارف الانسانية بأطرافها فاعلموا أنما أنزل هذا القرآن بعلم الله ولم يختلق عن علمي أنا ولا غيري ممن تزعمون أنه يعلمني ويملي علي، واعلموا أيضا ان ما أدعوكم إليه من التوحيد حق فإنه لو كان هناك إله من دون الله لنصركم على ما دعوتموه إليه فهل أنتم أيها المشركون مسلمون لله تعالى منقادون لامره؟
فقوله تعالى: (فإن لم يستجيبوا لكم) في معنى قولنا: فإن لم تقدروا على المعارضة بعد الاستعانة والاستمداد بمن استطعتم أن تدعوهم من دون الله، وذلك أن الأسباب التي توجب قدرتهم على المعارضة هي ما عندهم من قدرة البيان وقريحة البلاغة وهم يرون أن ذلك من مواهب آلهتهم من دون الله وكذا ما عند آلهتهم مما لم يهبوهم بعد، ولهم أن يؤيدوهم به إن شاءوا على زعمهم، وأيضا ما عند غير آلهتهم من المدد، وإذا لم يستجبهم الذين يدعونهم في معارضة القرآن فقد ارتفع جميع الأسباب الموجبة لقدرتهم وارتفعت بذلك قدرتهم فعدم إجابته الشركاء على معارضة القرآن ملازم لعدم قدرتهم عليها حتى بما عند أنفسهم من القدرة ففي الكلام كناية.
وقوله: (فاعلموا أنما أنزل بعلم الله) الظاهر أن المراد بعلم الله هو العلم المختص به وهو الغيب الذي لا سبيل لغيره تعالى إليه إلا بإذنه كما قال تعالى:
(لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه) النساء: 166، وقال: (ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك) يوسف: 102، وقال: (عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحد إلا من ارتضى من رسول) الجن: 27، وقال: (إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون لا يمسه إلا المطهرون تنزيل من رب العالمين) الواقعة: 80.
فالمعنى: فإن لم تقدروا على معارضته بأي سبب ممد تعلقتم به من دون الله فتيقنوا أنه لم ينزل إلا عن سبب غيبي وأنه من أنباء الغيب الذي يختص به تعالى فهو الذي أنزله على وكلمني به وأراد تفهيمي وتفهيمكم بما فيه من المعارف الحقة وذخائر الهداية.