قال تعالى: (يود أحدهم لو يعمر ألف سنة) البقرة: 96.
فالمراد بعشر سور - والله أعلم - السور الكثيرة الحائزة لبعض مراتب الكثرة المعروفة بين الناس فكأنه قيل: فأتوا بعدة من سورها ولتكن عشرا ليظهر به أن تنوع الأغراض القرآنية في بيانه المعجز ليس إلا من قبل الله.
وأما قوله: (فليأتوا بحديث مثله) فكأنه تحد بما يعم التحديات الثلاثة السابقة فإن الحديث يعم السورة والعشر سور والقرآن كله فهو تحد بمطلق الخاصة القرآنية وهو ظاهر.
بقى هنا أمران أحدهما: أنه لم يقع في شئ من آيات التحدي المذكورة توصيف ما يأتي به الخصم بالافتراء إلا في هذه الآية إذ قيل فيها: (فأتوا بعشر سور مثله مفتريات) بخلاف قوله: (فأتوا بسورة مثله) فلم يقل فيه: (فأتوا بسورة مثله مفتراة) وكذا في سائر آيات التحدي.
ولعل الوجه في ذلك أن نوع العناية في الآية المبحوث عنها غير نوع العناية في سائر آيات التحدي فإن العناية في سائر الآيات متعلقة بأنهم لا يقدرون على الاتيان بمثل القرآن أو بمثل السورة لما أنه قرآن مشتمل على جهات لا تتعلق بها قدرة الانسان ولا يظهر عليها غيره تعالى وقد أطلق القول فيها إطلاقا.
وأما هذه الآية فلما عقبت بقوله: (فإن لم يستجيبوا لكم فاعلموا أنما أنزل بعلم الله) دل ذلك على أن التحدي فيها إنما هو بكون القرآن متضمنا لما يختص علمه بالله تعالى ولا سبيل لغيره إليه، وهذا أمر لا يقبل الافتراء بذاته فكأنه قيل: إن هذا القرآن لا يقبل بذاته افتراء فإنه متضمن لأمور من العلم الإلهي الذي لا سبيل لغيره تعالى إليه، وإن ارتبتم في ذلك فأتوا بعشر سور مثله مفتريات تدعون أنها افتراء، واستعينوا بمن استطعتم من دون الله فإن لم تقدروا عليه فاعلموا أنه من العلم المخصوص به تعالى. فافهم ذلك.
وثانيهما: معنى التحدي بالمثل حيث قيل: (بمثل هذا القرآن) (بحديث