مثله) بسورة مثله) (بعشر سور مثله) والوجه الظاهر فيه أن الكلام لما كان آية معجزة فلو أتى إنسان بما يماثله لكفى في إبطال كونه آية معجزة ولم يحتج إلى الاتيان بما يترجح عليه في صفاته ويفضل عليه في خواصه.
وربما يورد عليه أن عدم قدره غيره صلى الله عليه وآله وسلم على ذلك لا يدل على كونه معجزة غير مستندة إليه لان صفات الكمال التي توجد في النوع الانساني كالبلاغة والكتابة والشجاعة والسخاء و غيرها لها مراتب متفاوتة مختلفة يفضل بعضها على بعض، وإذا كان كذلك كان من المراتب ما هو فوق الجميع وهو غاية ما يمكن أن ترتقى إليه النفس الانسانية البتة.
فكل صفة من صفات الكمال يوجد بين الافراد الموصوفين بها من هو حامل للدرجة العليا والغاية القصوى منها بحيث لا يعدله غيره ولا يعارضه أحد ممن سواه فبالضرورة بين أفراد الانسان عامة من هو أبلغهم أو أكتبهم أو أشجعهم أو أسخاهم كما أن بينهم من هو أطولهم قامة وأكبرهم جثة، ولم لا يجوز أن يكون النبي صلى الله عليه وآله وسلم أفصح الناس جميعا وأبلغهم والقرآن من كلامه الذي لا يسع لاحد أن يعارضه فيه لوقوفه موقفا ليس لغيره فيه موضع قدم؟ فلا يكون عندئذ عجز غيره عن الاتيان دليلا على كونه كلاما إلهيا غير بشرى لجواز كونه كلاما بشريا مختصا به صلى الله عليه وآله وسلم مضنونا عن غيره. هذا.
ويدفعه أن الصفات الانسانية التي يقع فيها التفاضل وإن كانت على ما ذكر لكنها أياما كانت فهى مما تسمح بها الطبيعة الانسانية بما أودع الله فيها من الاستعداد من غير أن تنشأ عن اتفاق ومن غير سبب يمكن الفرد الموصوف من الاتصاف بها.
وإذا كان كذلك وفرض فرد من الانسان اختص بصفة فاضلة لا يعدله غيره ولا يفوقه سواه كان لغيره أن يسلك ما مهده من السبيل ويتعود بالتمرن والتدرب والارتياض بما يأتيه من الأعمال التي تصدر عما عنده من صفة الكمال فيأتي بما يماثل بعض ما يختص به من الكمال ويقلده في نبذه من أعماله وان لم يقدر على أن يزاحمه في الجميع ويماثله في الكل، ويبقى للفرد النابغ المذكور مقام الأصالة والسبقة والتقدم