وذكر بعضهم أن المراد به أنه إنما أنزل على علم من الله بنزوله وشهادة منه له، وذكر آخرون أن المراد أنه إنما أنزل بعلم من الله أنه لا يقبل المعارضة أو بعلم من الله بنظمه وترتيبه ولا يعلم غيره ذلك، وهذه معان واهية بعيدة عن الفهم.
والجملة أعني قوله: (إنما أنزل بعلم الله) إحدى النتيجتين المأخوذتين من عدم استجابة شركائهم لهم. والنتيجة الأخرى قوله: (وأن لا إله إلا هو) ولزوم هذه النتيجة من وجهين: أحدهما: أنهم إذا دعوا آلهتهم لما يهمهم من الأمور فلم يجيبوهم كشف ذلك عن أنهم ليسوا بآلهة فليس الاله إلا من يجيب المضطر إذا دعاه وخاصة إذا دعاه لما فيه نفع الاله المدعو فإن القرآن الذي أتى به النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يقطع دابرهم ويميت ذكرهم ويصرف الناس عن التوجه إليهم فإذا لم يجيبوا أولياءهم إذا دعوهم لمعارضة كتاب هذا شأنه كان ذلك من أوضح الدليل على نفى ألوهيتهم.
وثانيهما: أنه إذا صح ان القرآن حق نازل من عند الله صادق فيما يخبر به، ومما يخبر به أنه ليس مع الله إله آخر علم بذلك أنه لا إله إلا الله سبحانه.
وقوله: (فهل أنتم مسلمون) أي لما علمتم واتضح لكم من جهة عدم استجابة شركائكم من دون الله وعجزكم عن المعارضة فهل أنتم مسلمون لما وقع عليه علمكم هذا من توحيد الله سبحانه وكون هذا القرآن كتابا نازلا بعلمه؟ وهو أمر بالاسلام في صورة الاستفهام. هذا كله ما يقتضيه ظاهر الآية.
وقيل: إن الخطاب في قوله: (فإن لم يستجيبوا لكم) الخ، للنبي صلى الله عليه وآله وسلم خوطب بلفظ الجمع تعظيما له وتفخيما لشأنه وضمير الجمع الغائب راجع إلى المشركين أي فإن لم يستجب المشركون لما دعوتهم أيها النبي إليه من المعارضة فاعلم أنه منزل بعلم الله وأن الله واحد فهل أنت مسلم لامره.
وفيه أنه قد صح أن التعظيم بلفظ الجمع والكثرة يختص في الكلام العربي بالمتكلم واما الخطاب والغيبة فلا تعظيم فيها بلفظ الجمع.