(افتراه) قولا ناشئا عن العناد واللجاج لا عن إذعان به أو شك فيه، أو لانهم كانوا آئسين من استجابة شركائهم للدعوة على المعارضة، أو لانهم كانوا هازلين في قولهم ذلك يهذرون هذرا.
وبالجملة عدم استجابة المشركين للنبي صلى الله عليه وآله وسلم أو للمؤمنين أو لهم جميعا لا يدل بنفسه على كون القرآن نازلا من عند الله إلا إذا كان عدم الاستجابة المذكورة بعد تحقق دعوتهم شركاءهم إلى المعارضة وعدم استجابتهم لهم، ولم يتحقق من المشركين دعوة على هذه الصفة، ومجرد عدم استجابة المشركين أنفسهم لا ينفع شيئا، ولا يبقى إلا أن يقال: إن معنى الآية: فإن دعا المشركون من استطاعوا من دون الله فلم يستجيبوا لهم ولم يستجب المشركون لكم أيها النبي ومعاشر المؤمنين فاعلموا أنما أنزل بعلم الله الخ، وهذا هو الذي أومأنا إليه آنفا أنه تقييد للآية من غير مقيد.
على أن فيه أمرا للمؤمنين أن يهتدوا في ايمانهم ويقينهم بأمر فرضى غير واقع وكلامه تعالى يجل عن ذلك، ولو أريدت الدلالة على أنهم غير قادرين على ذلك وإن دعوا شركاءهم إلى المعارضة كان من حق الكلام أن يقال: فإن لم يستجيبوا لكم ولن يستجيبوا فاعلموا الخ، كما قيل كذلك في نظيره قال تعالى: (وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين) البقرة: 24.
قوله تعالى: (من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون) التوفية إيصال الحق إلى صاحبه وإعطاؤه له بكماله، والبخس نقص الاجر.
وفي الآية تهديد لهؤلاء الذين لا يخضعون للحق لما جاءهم ولا يسلمون له إيثارا للحياة الدنيا ونسيانا للآخرة، وبيان لشئ من سنة الأسباب القاضية عليهم باليأس من نعيم الحياة الآخرة.
وذلك أن العمل كيفما كان فإنما يسمح للانسان بالغاية التي أرادها به وعمله