فمن البين أن هذه كلها صفات لمعنى القرآن. وليست صفات لما يقصده علماء البلاغة بالمعنى البليغ الذي ربما يشتمل عليه الباطل من الكلام الذي يسميه القرآن الكريم لغوا من القول وإثما وينهى الانسان عن تعاطيه والتفوه به وإن كان بليغا بل المعنى المتصف بهذه الصفات هو شئ من المقاصد الإلهية التي تجرى على الحق الذي لا يخالطه باطل، وتقع في صراط الهداية، ويكون الكلام المشتمل على معنى هذا نعته وغرض هذا شأنه هو الذي تتعلق العناية الإلهية بتنزيله وجعله رحمة للمؤمنين وذكرا للعالمين.
وهذا هو الذي يصح أن يتحدى به بمثل قوله: (فليأتوا بحديث مثله) فأنا لا نسمى الكلام حديثا إلا إذا اشتمل على غرض هام يتحدث به فينقل من ضمير إلى ضمير، وكذا قوله: (فأتوا بسورة مثله) فإن الله لا يسمى جماعة من آيات كتابه وإن كانت ذات عدد سورة إلا إذا اشتملت على غرض إلهي تتميز بها من غيرها.
ولولا ذلك لم يتم التحدي بالآيات القرآنية وكان للخصم أن يختار من مفردات الآيات عددا ذا كثرة كقوله تعالى: (والضحى) (والعصر) (والطور) (في كتاب مكنون) (مدهامتان) (الحاقة ما الحاقة) (وما أدراك ما الحاقة) (الرحمن) (ملك الناس) (إله الناس) (وخسف القمر) (كلا والقمر) (سندع الزبانية) إلى غير ذلك من مفردات الآيات ثم يقابل كلا منها بما يناظرها من الكلام العربي من غير أن يضمن ارتباط بعضها ببعض واشتمالها على غرض يجمعها ويخرجها في صورة الوحدة.
فالذي كلف به الخصم في هذه التحديات هو أن يأتي بكلام يماثل القرآن مضافا إلى بلاغة لفظه في بيان بعض المقاصد الإلهية المشتملة على أغراض منعوتة بالنعوت التي ذكرها الله سبحانه.
والكلام الإلهي مع ما تحدى به في آيات التحدي يختلف بحسب ما يظهر من خاصته فمجموع القرآن الكريم يختص بأنه كتاب فيه ما يحتاج إليه نوع الانسان إلى يوم القيامة من معارف أصلية وأخلاق كريمة وأحكام فرعية، والسورة من القرآن تختص ببيان جامع لغرض من الأغراض الإلهية المتعلقة بالهدى ودين الحق على بلاغتها