الخارقة، وهذه خاصة غير الخاصة التي يختص بها مجموع القرآن الكريم، والعدة من السور كالعشر والعشرين منها تختص بخاصة أخرى وهى بيان فنون من المقاصد والاغراض والتنوع فيها فإنها أبعد من احتمال الاتفاق فإن الخصم إذا عجز عن الاتيان بسورة واحدة كان من الممكن أن يختلج في باله أن عجزه عن الاتيان بها إنما يدل على عجز الناس عن الاتيان بمثلها لا على كونها نازلة من عند الله موحاة بعلمه فمن الجائز أن يكون كسائر الصفات والأعمال الانسانية التي من الممكن في كل منها أن يتفرد به فرد من بين أفراد النوع اتفاقا لتصادق أسباب موجبة لذلك كفرد من الانسان موصوف بأنه أطول الافراد أو أكبرهم جثة أو أشجعهم أو أسخاهم أو أجبنهم أو أبخلهم.
وهذا الاحتمال وإن كان مدفوعا عن السورة الواحدة من القرآن أيضا التي يقصدها الخصم بالمعارضة فإنها كلام بليغ مشتمل على معان حقة ذات صفات كريمة خالية عن مادة الكذب، وما هذا شأنه لا يقع عن مجرد الاتفاق والصدفة من غير أن يكون مقصودا في نفسه ذا غرض يتعلق به الإرادة.
إلا أنه أعني ما مر من احتمال الاتفاق والصدفة عن السور المتعددة أبعد لان إتيان السورة بعد السورة وبيان الغرض بعد الغرض والكشف عن خبيئ بعد خبيئ لا يدع مجالا لاحتمال الاتفاق والصدفة وهو ظاهر.
إذا تبين ما ذكرناه ظهر أن من الجائز أن يكون التحدي بمثل قوله: (قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا) أسرى: 88 واردا مورد التحدي بجميع القرآن لما جمع فيه من الأغراض الإلهية ويختص بأنه جامع لعامة ما يحتاج إليه الناس إلى يوم القيامة; وقوله: (قل فأتوا بسورة مثله) لما فيها من الخاصة الظاهرة وهى أن فيها بيان غرض تام جامع من أغراض الهدى الإلهي بيانا فصلا من غير هزل; وقوله: (قل فأتوا بعشر سور) تحديا بعشر من السور القرآنية لما في ذلك من التفنن في البيان والتنوع في الأغراض من جهة الكثرة، والعشرة من ألفاظ الكثرة كالمأة والألف