لاجلها، فإن كانت غاية دنيوية تصلح شؤون الحياة الدنيا من مال وجمال وحسن حال ساقه العمل - إن أعانته سائر الأسباب العاملة - إلى ما يرجوه بالعمل وأما الغايات الأخروية فلا خبر عنها لأنها لم تقصد حتى تقع، ومجرد صلاحية العمل لان يقع في طريق الآخرة وينفع في الفوز بنعيمها كالبر والاحسان وحسن الخلق لا يوجب الثواب وارتفاع الدرجات ما لم يقصد به وجه الله ودار ثوابه.
ولذلك عقبه بقوله تعالى: (أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون) فأخبر أنهم إذا وردوا الحياة الآخرة وقعوا في دار حقيقتها أنها نار تأكل جميع أعمالهم في الحياة كما تأكل النار الحطب وتبير وتهلك كل ما تطيب به نفوسهم من محاسن الوجود، وتحبط جميع ما صنعوا فيها وتبطل ما أسلفوا من الأعمال في الدنيا، ولذلك سماها سبحانه في موضع آخر بدار البوار أي الهلاك فقال تعالى: (ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار جهنم يصلونها) إبراهيم: 29، وبذلك يظهر أن كلا من قوله: (وحبط ما صنعوا فيها) وقوله: (وباطل ما كانوا يعملون) يفسر قوله: (أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار) نوعا ما من التفسير.
وبما تقدم يظهر اولا: أن المراد من توفية أعمالهم إليهم توفية نتائجها وإيصال الآثار التي لها بحسب نظام الأسباب والمسببات لا ما يقصده الفاعل بفعله ويرجوه بمسعاه فإن الذي يناله الفاعل في هذه النشأة بفعله هو نتيجة الفعل التي يعينه سائر الأسباب العاملة عليها لا ما يؤمه الفاعل كيفما كان فما كل ما يتمنى المرء يدركه.
وقد عبر تعالى عن هذه الحقيقة في موضع آخر بقوله: (ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب) الشورى: 20، فقال تعالى: (نؤته منها) ولم يقل: نؤته إياها، وقال في موضع آخر: (من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا) أسرى: 18 فذكر ما يريده الانسان من الدنيا ويناله منها وزاد بيانا أنه ليس كل من يريد أمرا يناله ولا كل ما يراد ينال بل الامر إلى الله سبحانه يعطى ما يشاء ويمنع ما يشاء ويقدم من يريد ويؤخر من يريد على ما تجرى عليه سنة الأسباب.