مضافا إلى أن استناد الوحي الإلهي والتكليم الرباني إليه تعالى استناد ضروري لا يقبل الشك حتى يستعان عليه بالدليل فما يتلقاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم دلالته على كونه كلاما من الله دلالة ضرورية غير محتاجة إلى حجة حتى يحتج عليه بعدم إجابة المشركين إلى معارضة القرآن وعجزهم عنها بخلاف كلام المخلوقين من الانسان والجن والملك وأي هاتف آخر فإنه يحتاج في حصول العلم باستناده إلى متكلمه إلى دليل خارجي من حسن أو عقل، وقد تقدمت إشارة إلى ذلك في قصة زكريا من سورة آل عمران، وسيجئ البحث المستوفى عن ذلك فيما يناسبه من المورد إنشاء الله تعالى.
على أن خطاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمثل قوله: (وأنه لا إله إلا هو)، وقوله:
(فهل أنتم مسلمون) لا يخلو عن بشاعة. على أن نفس الاستدلال أيضا غير تام كما سنبين.
وقيل: إن الخطاب في الآية للنبي صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنين جميعا أو للمؤمنين خاصة لان المؤمنين يشاركونه صلى الله عليه وآله وسلم في الدعوة الدينية والتحدي بالقرآن الذي هو كتاب ربهم المنزل عليهم والمعنى: فإن لم يستجب المشركون لكم في المعارضة فاعلموا أن القرآن منزل بعلم الله وأن لا إله إلا هو فهل تسلمون أنتم لله؟
ولما تفطن بعضهم أن لا معنى لدعوة المؤمنين وهم مؤمنون بالله وحده وبكتابه إلى العلم بأنه كتاب نازل من عند الله وبأنه تعالى واحد لا شريك له أصلحه بأن المراد فاثبتوا على علمكم أنه إنما أنزل بعلم الله وازدادوا به ايمانا ويقينا وأنه لا إله إلا هو ولا يستحق العبادة سواه فهل أنتم ثابتون على إسلامكم والاخلاص فيه؟
وفيه أنه تقييد للآية من غير مقيد والحجة غير تامة وذلك أن المشركين لو كانوا وقفوا موقف المعارضة بما عندهم من البضاعة واستعانوا عليها بدعوة آلهتهم وسائر من يطمعون فيه من الجن والإنس ثم عجزوا كان ذلك دليلا واضحا يدلهم على أن القرآن فوق كلام البشر وتمت بذلك الحجة عليهم، وأما عدم استجابة الكفار للمعارضة فليس يدل على كونه من عند الله لانهم لم يأتمروا بما أمروا به بقوله:
(فأتوا بعشر سور مثله مفتريات) إما لعلمهم بأنه كلام الله الحق وإنما كان قولهم: