فليس الحمد إلا الثناء على الجميل من الفعل الاختياري.
فهذا شأن أوليائه تعالى وهم قاطنون في دار العمل يجتهدون في يومهم لغد فإذا لقوا ربهم فوفى لهم بوعده وأدخلهم في رحمته وأسكنهم دار كرامته أتم لهم نورهم الذي كان خصهم به في الدنيا كما قال تعالى: (نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا) التحريم: 8.
فسقاهم شرابا طهورا يطهر به سرائرهم من كل شرك جلى وخفى، وغشيهم بنور العلم واليقين، وأجرى من قلوبهم على ألسنتهم عيون التوحيد فنزهوا الله وسبحوه اولا وسلموا على رفقائهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ثم حمدوا الله سبحانه وأثنوا عليه بأبلغ الحمد وأحسن الثناء.
وهذا هو الذي يقبل الانطباق عليه - والله أعلم - قوله في الآيتين: (تجرى من تحتهم الأنهار في جنات النعيم) وفيه ذكر جنة الولاية وتطهير قلوبهم: (دعواهم فيها سبحانك اللهم) وفيه تنزيهه تعالى وتسبيحه عن كل نقص وحاجة وشريك تنزيها على وجه الحضور لانهم غير محجوبين عن ربهم (وتحيتهم فيها سلام) وهو توسيم اللقاء بالأمن المطلق، ولا يوجد في غيرها من الامن إلا اليسير النسبي (وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين) وفيه ذكر ثنائهم على الله بالجميل بعد تسبيحهم له وتنزيههم، وهذا آخر ما ينتهى إليه أهل الجنة في كمال العلم.
وقد قدمنا في تفسير قوله تعالى: (الحمد لله رب العالمين) الحمد: 2 أن الحمد توصيف، ولا يسع وصفه تعالى لاحد من خلقه إلا للمخلصين من عباده الذين أخلصهم لنفسه وخصهم بكرامة من القرب لا واسطة فيها بينهم وبينه قال تعالى:
(سبحان الله عما يصفون إلا عباد الله المخلصين) الصافات: 160.
ولذلك لم يحك في كلامه حمده إلا عن آحاد من كرام أنبيائه كنوح وإبراهيم ومحمد وداود وسليمان عليهم السلام كقوله فيما أمر به نوحا: (فقل الحمد لله الذي نجانا من القوم الظالمين) المؤمنون: 28، وقوله حكاية عن إبراهيم: (الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق) إبراهيم: 39، وقوله فيما أمر به محمدا صلى الله عليه وآله وسلم