والنهار وما خلق الله في السماوات والأرض يحمل نظاما واحدا عاما متقنا يدبر به أمر الموجودات الأرضية والسماوية وخاصة العالم الانساني تدبيرا واحدا يتصل بعض أجزائه ببعض على أحسن ما يتصور.
وهو يكشف عن ربوبية واحدة ترب كل شئ ومنه الانسان فلا رب إلا الله سبحانه لا شريك له في ربوبيته.
ومن المحتمل أن يكون قوله: (إن في اختلاف الليل والنهار) الخ، في مقام التعليل لقوله في الآية السابقة: (يفصل الآيات لقوم يعلمون) لمكان إن، والأنسب على هذا أن يكون المراد باختلاف الليل والنهار تواليهما على الأرض دون الاختلاف بالمعنى الاخر فان هذا المعنى من الاختلاف هو الذي يسبق إلى الذهن من قوله في الآية السابقة: (جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل) وهو ظاهر.
قوله تعالى: (إن الذين لا يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها) إلى آخر الآيتين. شروع في بيان ما يتفرع على الدعوة السابقة المذكورة بقوله:
(ذلكم الله ربكم فاعبدوه) من حيث عاقبة الامر في استجابته ورده وطاعته ومعصيته.
فبدء سبحانه بالكافرين بهذا الامر فقال: (إن الذين لا يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها والذين هم عن آياتنا غافلون) فوصفهم أولا بعدم رجائهم لقاءه، وهو الرجوع إلى الله بالبعث يوم القيامة، وقد تقدم الكلام في وجه تسميته بلقاء الله في مواضع من هذا الكتاب ومنها ما في تفسير آية الرؤية من سورة الأعراف فهؤلاء هم المنكرون ليوم الجزاء، وبإنكاره يسقط الحساب والجزاء فالوعد والوعيد والامر والنهى، وبسقوطها يبطل الوحي والنبوة وما يتفرع عليه من الدين السماوي.
وبإنكار البعث والمعاد ينعطف هم الانسان على الحياة الدنيا فان الانسان وكذا كل موجود ذي حياة له هم فطرى ضروري في بقائه وطلب لسعادة تلك الحياة فان كان مؤمنا بحياة دائمة تسع الحياة الدنيوية والأخروية معا فهو، وإن لم يذعن إلا بهذه الحياة المحدودة الدنيوية علقت همته الفطرية بها، ورضى بها