قوله تعالى: (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم) إلى آخر الآية، هذا بيان لعاقبة أمر المؤمنين وما يثيبهم الله على استجابتهم لدعوته وطاعتهم لامره.
ذكر سبحانه أنه يهديهم بإيمانهم، وإنما يهديهم إلى ربهم لان الكلام في عاقبة أمر من يرجو لقاء الله، وقد قال تعالى: (ويهدى إليه من أناب) الرعد: 27.
فإنما يهدى الايمان بإذن الله إلى الله سبحانه وكلما اهتدى المؤمنون إلى الحق أو إلى الصراط المستقيم أو غير ذلك مما يشتمل عليه كلامه فإنما هي وسائل ومدارج تنتهى بالآخرة إليه تعالى، قال تعالى: (وأن إلى ربك المنتهى) النجم: 42.
وقد وصف المؤمنين بالايمان والأعمال الصالحة ثم نسب هدايتهم إليه إلى الايمان وحده فإن الايمان هو الذي يصعد بالعبد إلى مقام القرب، وليس للعمل الصالح إلا اعانة الايمان وإسعاده في عمله كما قال تعالى: (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات) المجادلة: 11 حيث ذكر للرفع الايمان والعلم وسكت عن العمل الصالح، وأوضحه منه في الدلالة قوله تعالى: (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه) فاطر: 10.
هذا في الهداية التي هي شأن الايمان، وأما نعم الجنة فإن للعمل الصالح دخلا فيها كما أن للعمل الطالح دخلا في أنواع العذاب وقد ذكر تعالى في المؤمنين قوله:
(تجرى من تحتهم الأنهار في جنات النعيم) كما ذكر في الكافرين قوله: (أولئك مأواهم النار بما كانوا يكسبون).
وليتنبه الباحث المتدبر أنه تعالى ذكر لهؤلاء المهتدين بإيمانهم من مسكن القرب جنات النعيم، ومن نعيمها الأنهار التي تجرى من تحتهم فيها، وقد تقدم في تفسير قوله تعالى: (صراط الذين أنعمت عليهم) الحمد: 7 وقوله: (فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم) الآية النساء: 69 أن النعيم بحقيقة معناه في القرآن الكريم هو الولاية الإلهية، وقد خص الله أولياءه المقربين بنوع من شراب الجنة اعتنى به في حقهم كما قال: (إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا) الانسان: 6، وقال أيضا: (إن الأبرار لفى