والدليل على ما ذكرنا افتتاح السورة بالكلام على تكذيبهم القرآن: (أكان للناس عجبا أن أوحينا - إلى قوله - قال الكافرون إن هذا لساحر مبين) واختتامها بمثل قوله: (واتبع ما يوحى إليك واصبر) الآية ثم عوده تعالى إلى مسألة الايحاء بالقرآن وتكذيبهم له في تضاعيف الآيات مرة بعد مرة كقوله: (وإذا تتلى عليهم آياتنا) الآية، وقوله: (وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله) الآية، وقوله: (يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة) الآية، وقوله: (فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك) الآية.
فتكرر هذه الآيات والافتتاح والاختتام بها يدل على أن الكلام مبنى على تعقيب إنكارهم لكلام الله وتكذيبهم الوحي ولذلك كان من عمدة الكلام في هذه السورة الوعيد على مكذبي آيات الله من هذه الأمة بعذاب يقضى بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبينهم وأن ذلك من سنة الله في خلقه، وعلى تعقيبه تختتم السورة حتى كاد يكون بيان هذه الحقيقة من مختصات هذه السورة فمن الحري أن تعرف السورة بأنها سورة الانذار بالقضاء العدل بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبين أمته وقد اختتمت بقوله: (واصبر حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين).
قوله تعالى: (الر تلك آيات الكتاب الحكيم) الإشارة باللفظ الدال على البعد للدلالة على ارتفاع مكانة القرآن وعلو مقامه فإنه كلام الله النازل من عنده وهو العلى الاعلى رفيع الدرجات ذو العرش.
والآية - ومعناها العلامة - وإن كان من الجائز أن يسمى بها ما هو من قبيل المعاني أو الأعيان الخارجية كما في قوله: (أو لم يكن لهم آية أن يعلمه علماء بني إسرائيل ) الشعراء: 197 وفي قوله: (وجعلناها وابنها آية للعالمين) الأنبياء: 91 وكذا ما هو من قبيل القول كما في قوله ظاهرا: (وإذا بدلنا آية مكان آية) النحل:
101 ونحو ذلك لكن المراد بالآيات ههنا هي أجزاء الكلام الإلهي قطعا فإن الكلام في الوحي النازل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو كلام متلو مقرو بأي معنى من المعاني صورنا نزول الوحي.
فالمراد بالآيات أجزاء الكتاب الإلهي، وتتعين في الجملة من جهة المقاطع التي