نعيم - إلى أن قال - يسقون من رحيق مختوم - إلى أن قال - عينا يشرب بها المقربون) المطففين: 28، وعليك بالتدبر في الآيات وتطبيق بعضها على بعض حتى ينجلى لك بعض ما أودعه الله سبحانه في كلامه من الاسرار اللطيفة.
قوله تعالى: (دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين) أول ما يكرم به الله سبحانه أولياءه - وهم الذين ليس في قلوبهم إلا الله ولا مدبر لأمرهم غيره - أنه يطهر قلوبهم عن محبه غيره فلا يحبون إلا الله فلا يتعلقون بشئ إلا الله وفي الله سبحانه فهم ينزهونه عن كل شريك يجذب قلوبهم إلى نفسه عن ذكر الله سبحانه، وعن أي شاغل يشغلهم عن ربهم.
وهذا تنزيه منهم لربهم عن كل ما لا يليق بساحة قدسه من شريك في الاسم أو في المعنى أو نقص أو عدم، وتسبيح منهم له لا في القول واللفظ فقط بل قولا وفعلا ولسانا وجنانا، وما دون ذلك فإن له شوبا من الشرك، وقد قال تعالى:
(وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون) يوسف: 106.
وهؤلاء الذين طهر الله قلوبهم عن قذارة حب غيره الشاغلة عن ذكره وملاها بحبه فلا يريدون إلا إياه وهو سبحانه الخير الذي لا شر معه قال: (والله خير) طه: 73.
فلا يواجهون بقلوبهم التي هي ملأى بالخير والسلام أحدا إلا بخير وسلام اللهم إلا أن يكون الذي واجهوه بقلوبهم هو الذي يبدل الخير والسلام شرا وضرا كما أن القرآن شفاء لمن استشفى به لكنه لا يزيد الظالمين إلا خسارا.
ثم إن هذه القلوب الطاهرة لا تواجه شيئا من الأشياء إلا وهى تجده وتشاهده نعمة لله سبحانه حاكية لصفات جماله ومعاني كماله واصفة لعظمته وجلاله فكلما وصفوا شيئا من الأشياء وهم يرونه نعمة من نعم الله ويشاهدون فيه جماله تعالى في أسمائه وصفاته ولا يغفلون ولا يسهون عن ربهم في شئ كان وصفهم لذلك الشئ وصفا منهم لربهم بالجميل من أفعاله وصفاته فيكون ثناء منهم عليه وحمدا منهم له