وسكن بسببها عن طلب الآخرة، وهو المراد بقوله: (ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها).
ومن هنا يظهر أن الوصف الثاني أعني قوله: (ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها) من لوازم الوصف الأول أعني قوله: (لا يرجون لقاءنا) وهو بمنزلة المفسر بالنسبة إليه، وأن الباء في قوله: (اطمأنوا بها) للسببية أي سكنوا بسببها عن طلب اللقاء وهو الآخرة.
وقوله: (والذين هم عن آياتنا غافلون) في محل التفسير لما تقدمه من الوصف لمكان ما بينهما من التلازم فان نسيان الآخرة وذكر الدنيا لا ينفك عن الغفلة عن آيات الله.
والآية قريبة المضمون من قوله تعالى: (فأعرض عمن تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا ذلك مبلغهم من العلم إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله) الآية النجم: 30 حيث دل على أن الاعراض عن ذكر الله وهو الغفلة عن آياته يوجب قصر علم الانسان في الحياة الدنيا وشؤونها فلا يريد إلا الحياة الدنيا وهو الضلال عن سبيل الله، وقد عرف هذا الضلال بنسيان يوم الحساب في قوله: (إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب) ص - 26.
فقد تبين أن إنكار اللقاء ونسيان يوم الحساب يوجب رضى الانسان بالحياة الدنيا والاطمئنان إليها من الآخرة وقصر العلم عليه وانحصار الطلب فيه، وإذ كان المدار على حقيقة الذكر والطلب لم يكن فرق بين انكاره والرضى بالحياة الدنيا قولا وفعلا أو فعلا مع القول الخالي به.
وتبين أيضا ان الاعتقاد بالمعاد أحد الأصول التي يتقوم بها الدين إذ بسقوطه يسقط الأمر والنهي والوعد والوعيد والنبوة والوحي وهو بطلان الدين الإلهي من رأس.
وقوله: (أولئك مأواهم النار بما كانوا يكسبون) بيان لجزائهم بالنار الخالدة قبال أعمالهم التي كسبوها.