تقييد للفظ الآية من غير مقيد وهو تحكم وأشد منه تحكما القول بأن المراد بالمثل مثل السور العشر التي عدها.
وإن كان الضمير راجعا إلى سورة هود كان مستبشعا من القول وكيف يستقيم أن يقال لمن يقول: إن سورة الكوثر والمعوذتين من الافتراء على الله: ائت بعشر سور مفتريات مثل سورة هود ويقتصر على ذلك؟ اللهم إلا أن يهذروا بأن سورة هود وحدها من الافتراء على الله تعالى فيتحدى عندئذ بأن يأتوا بمثلها، ولم نسمع أحدا منهم تفوه بذلك.
ويمكن أن يقال في وجه الاختلاف الذي يلوح من آيات التحدي كقوله:
(فأتوا بسورة مثله) يونس: 38 الظاهر في التحدي بسورة واحدة وقوله: (فأتوا بعشر سور مثله مفتريات) الظاهر في التحدي بعدد خاص فوق الواحد وقوله: (فليأتوا بحديث مثله) الطور: 34 الظاهر في التحدي بحديث يماثل القرآن وإن كان دون السورة أن كل واحدة من الآيات تؤم غرضا خاصا في التحدي.
بيان ذلك: أن جهات القرآن وشؤونه التي تتقوم به حقيقته وهو كتاب إلهي مضافا إلى ما في لفظه من الفصاحة وفي نظمه من البلاغة إنما ترجع إلى معانيه ومقاصده لست أعني من المعنى ما يقصده علماء البلاغة في قولهم: إن البلاغة من صفات المعنى والألفاظ مطروحة في الطريق يعنون به المفاهيم من جهة ترتبها الطبعي في الذهن فإن الذي يعنون به من المعنى موجود في الكذب الصريح من الكلام وفي الهزل وفي الفحش والهجو والفرية إذا جرت على أسلوب البلاغة وتوجد في الكلام الموروث من البلغاء نظما ونثرا شئ كثير من هذه الأمور.
بل المراد من معنى القرآن ومقصده ما يصفه تعالى بأنه كتاب حكيم، ونور مبين، وقرآن عظيم، وفرقان، وهاد يهدى إلى الحق وإلى طريق مستقيم، وقول فصل وليس بالهزل، وكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وذكر وأنه يحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه، وأنه شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا، وأنه تبيان لكل شئ ولا يمسه إلا المطهرون.