ويؤيده الأثر، ثم بقوله في هذه السورة: (فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله) ولو كان جهة الاعجاز هي البلاغة خاصة لكانت هذه التحديات خارجة عن النظم الطبيعي إذ لا يصح أن يكلف البلغاء من العرب المنكرين لكون القرآن من عند الله بإتيان مثل سورة منه ثم بعده بإتيان عشر سور مفتريات بل مقتضى الطبع أن يتحدى بتكليفهم بإتيان مثل القرآن أجمع فإن عجزوا فبإتيان عشر سور مثله مفتريات فإن عجزوا فبإتيان سورة مثله.
وقد ذكر بعضهم في التفصي عن هذا الاشكال أن الترتيب بين السور ونزول بعضها قبل بعض لا يستلزم الترتيب بين آيات السور فكم من آية مكية موضوعة في سورة مدنية وبالعكس فمن الجائز حينئذ أن تكون آيات التحدي بتمام القرآن نازلة قبل غيرها مطلقا ثم تكون آية التحدي بعشر سور مفتريات نازلة بعدها، وآية التحدي بسورة واحدة نازلة بعد الجميع.
وفيه: أنه إنما ينفع لو صح نزول الآيات على ما صوره وإلا فالاشكال على حاله والحق أن القرآن معجز في جميع صفاته المختصة به من بلاغة وفصاحة وما فيه من المعارف الحقيقية والأخلاق الكريمة والشرائع الإلهية والقصص والعبر والاخبار بالمغيبات وما له من السلطان على القلوب والجمال الحاكم في النفوس.
وأما الوجه في التحدي بعشر سور مع ما في سورة يونس من التحدي بواحدة فقد قال في المجمع: فإن قيل: لم ذكر التحدي مرة بعشر سور ومرة بسورة ومرة بحديث مثله؟ فالجواب: أن التحدي إنما يقع بما يظهر فيه الاعجاز من منظوم الكلام فيجوز أن يتحدى مرة بالأقل ومرة بالأكثر. انتهى.
أقول: وهو يصلح وجها لأصل التحدي بالواحد والكثير وأما التحدي بالعشر بعد الواحدة ولا سيما على ما يراه من كون إعجازه بالبلاغة فحسب فلا.
وذكر بعضهم في توجيه ذلك أن القرآن الكريم معجز في جميع ما يتضمنه من المعارف والأخلاق والاحكام والقصص وغيرها وينعت به من الفصاحة والبلاغة