الضراء فلا يحملهم الجزع على اليأس والكفر، ويعملون الصالحات من الشكر بثنائه تعالى على ما كشف الضراء وأعقب بالنعماء وصرف نعمه في ما يرضيه ويريح خلقه فلا يحملهم الاستغناء على الفرح والفخر.
وهؤلاء هم المتخلصون الناجون يغفر لهم ربهم بإمحاء آثار ذلك الطبع المذموم ووضع الخصال المحمودة موضعه ولهم عند ربهم مغفرة وأجر كبير.
وفي الآية دلالة على أن الصبر مع العمل الصالح لا ينفك عن الايمان فإنها تعد هؤلاء الصابرين مغفرة وأجرا كبيرا، والمغفرة لا تنال المشركين، قال تعالى: (إن الله لا يغفر أن يشرك به) النساء: 116.
وقد ورد الوعد بعين ما ذكر في هذه الآية أعني المغفرة والاجر الكبير للمؤمنين في قوله تعالى: (والذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر كبير) فاطر: 7، وقوله تعالى: (إن الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة وأجر كبير) الملك: 12.
واتصال الآيات الثلاث بما قبلها ظاهر فإن الكلام كان في الآيات السابقة مسوقا في كفر الكافرين ورميهم الوعد بالبعث بالسحر ومقابلتهم الايعاد بنزول العذاب بالاستهزاء، فذكر سبحانه أنهم على حالهم الطبعي لا يرون لما عندهم من نعمة الله زوالا بنزول العذاب ولا لما بهم من رث الحال تبدلا إلى العيش الهنئ والمتاع الحسن الذي وعدهم الله به في صدر السورة.
قوله تعالى: (فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك وضائق به صدرك) إلى آخر الآية، لما كانت رسالة النبي صلى الله عيله وآله وسلم بما أيدت به من القرآن الكريم والآيات البينات والحجج والبراهين مما لا يسع لذي عقل إنكارها ولا لانسان صحيح المشاعر ردها والكفر بها كان ما حكى من كفر الكافرين وإنكار المشركين أمرا مستبعدا بحسب الطبع، وإذا كان وقوع أمر على صفة من الصفات مستبعدا أخد الانسان في تقرير ذلك الامر من غير مجرى الاستبعاد طلبا للمخرج من نسبة الوقوع إلى ما يستبعده الطبع.