أسرى: 88، وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك في الكلام على إعجاز القرآن في الجزء الأول من الكتاب.
وبذلك يظهر فساد ما قيل إن جهة إعجاز القرآن انما هي البلاغة والفصاحة في هذا النظم المخصوص لأنه لو كان جهة الاعجاز غير ذلك لما قنع في المعارضة بالافتراء والاختلاق لان البلاغة ثلاث طبقات فأعلى طبقاتها معجز وأدناها وأوسطها ممكن فالتحدي في الآية انما وقع في الطبقة العليا منها، ولو كان وجه الاعجاز الصرفة لكان الركيك من الكلام أبلغ في باب الاعجاز.
والمثل المذكور في الآية لا يجوز أن يكون المراد به مثله في الجنس لان مثله في الجنس يكون حكايته فلا يقع بها التحدي، وإنما يرجع في ذلك إلى ما هو متعارف بين العرب في تحدى بعضهم بعضا كما اشتهر من مناقضات امرئ القيس وعلقمة وعمر بن كلثوم والحارث بن حلزة وجرير والفرزدق وغيرهم. انتهى.
فإن فيه أولا: أن لو كانت جهة الاعجاز في القرآن هي بلاغته فحسب وهى أمر لا يعرفه غير العرب لم يكن لتشريك غيرهم في التحدي معنى، ولم يرجع قوله:
(وادعوا من استطعتم من دون الله) على ما فيه من العموم وكذا قوله: (لئن اجتمعت الإنس والجن) الآية إلى معنى محصل ولكان من الواجب أن يقال: (لئن اجتمعت العرب) وادعوا من استطعتم من آلهتكم ومن أهل لغتكم.
وثانيا: أنه لو كانت جهة الاعجاز هي البلاغة فقط لم يصح الاحتجاج بمثل قوله: (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا) النساء: 82، الظاهر في نفى مطلق الاختلاف فإن أكثر الاختلافات وهى التي يرجع إلى المعاني لا تضر بلاغة اللفظ.
وثالثا: أنه تعالى يتحدى بمثل قوله: (فليأتوا بحديث مثله) الطور: 34، وبقوله في سورة يونس: (فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله) آية 38، وقد استفدنا فيما تقدم أن سورة يونس قبل سورة هود في ترتيب النزول