لداعى أن يكونا كالمقدمة لذكر ما يزول به الشبهتان وهو أن الرسول ليس له من الامر شئ حتى يقترح عليه بما يقترح، وأن الكتاب للملك ليس فيه ريب ولا شك.
ومن هنا يظهر أن قوله تعالى: (فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك وضائق به صدرك) الخ، ليس يفيد الترجي الجدي ولا مسوقا لتوبيخ النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا مرادا به تسليته وتطييب نفسه إثر ما كان يناله من الحزن والاسى بكفرهم وجحودهم لما أتى به من الحق الصريح بل الكلام مسوق ليتوصل به إلى ذكر قوله: (إنما أنت نذير والله على كل شئ وكيل).
فما ذكره بعض المفسرين أن الكلام مسرود لنهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الحزن وضيق الصدر بما كانوا يواجهونه به من الكفر والجحود، والنهى نهى تسلية وتطييب للنفس نظير ما في قوله: (ولا تحزن عليهم ولاتك في ضيق مما يمكرون) النحل:
127، وقوله: (لعلك باخع نفسك أن لا يكونوا مؤمنين إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين) الشعراء: 4 كلام ليس في محله.
ويظهر أيضا أن قوله: (فلعلك تارك) الخ، وقوله: (أم يقولون افتراه) الخ، كشقى الترديد ويتصلان معا بما قبلهما من وجه واحد كما ذكرناه.
وقوله: (تارك بعض ما يوحى إليك) إنما ذكر البعض لان الآيات السابقة متضمنة لتبليغ الوحي في الجملة أي لعلك تركت بعض ما أوحينا إليك من القرآن فما تلوته عليهم فلم ينكشف لهم الحق كل الانكشاف حتى لا يجبهوك بما جبهوك به من الرد والجحود، وذلك أن القرآن بعضه يوضح بعضا وشطرا منه يقرب شطرا منه من القبول كآيات الاحتجاج توضح الآيات المشتملة على الدعاوى، وآيات الثواب والعقاب تقرب الحق من القبول بالتطميع والتخويف، وآيات القصص والعبر تستميل النفوس وتلين القلوب.
وقوله: (وضائق به صدرك أن يقولوا) الخ، قال في المجمع: ضائق وضيق بمعنى واحد إلا أن ضائق ههنا أحسن لوجهين: أحدهما: أنه عارض والاخر أنه أشكل بقوله تارك انتهى.