وقال في خصوص الجزاء: (وخلق الله السماوات والأرض بالحق ولتجزى كل نفس بما كسبت وهم لا يظلمون) الجاثية: 22 وقال في كون الإعادة لانجاز الوعد: (كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين) الأنبياء: 104 إلى غير ذلك من الآيات، وقال في كون العبادة غرضا في خلق الثقلين: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) الذاريات: 56.
وعد العمل الصالح أو الانسان المحسن غاية للخلقة لا ينافي اشتمال الخلقة على غايات أخرى بعد ما كان الانسان أحد تلك الغايات حقيقة لان الوحدة والاتصال الحاكم على العالم يصحح كون كل واحد من أنواع الموجودات غاية للخلقة بما أنه محصول الارتباط ونتيجة الازدواج العام بين أجزائه فمن الجائز أن يخاطب كل نوع من أنواع الخليقة أنه المطلوب المقصود من خلق السماوات والأرض بما أنها تؤدى إليه.
على أن الانسان أكمل وأتقن المخلوقات الجسمانية من السماوات والأرض وما فيهما صنعا ولئن نمى في جانب العلم والعمل نماء حسنا كان أفضل ذاتا مما سواه وأرفع مقاما وأعلى درجة من غيره وإن كان بعض الخليقة كالسماء أشد منه خلقا كما ذكره الله تعالى ومن المعلوم أن كمال الصنع هو المقصود منه إذا اشتمل على ناقص ولذا كنا نعد مراحل وجود الانسان المختلفة من المنوية والجنينية والطفولية وغيرها مقدمة لوجود الانسان السوى الكامل وهكذا.
وبهذا البيان يظهر أن أفضل افراد الانسان - إن كان فيهم من هو أفضل مطلقا - غاية لخلق السماوات والأرض، ولفظ الآية أيضا لا يخلو عن إشارة أو دلالة على ذلك فإن قوله: (أيكم أحسن عملا) يفيد أن القصد إلى تمييز من هو أحسن عملا من غيره سواء كان ذلك الغير محسنا أو مسيئا فمن كان عمله أحسن من سائر الافراد سواء كانوا محسنين وأعمالهم دون عمله أو مسيئين كان تمييزه منهم هو الغرض المقصود من الخلقة، وبذلك يستصح ما ورد في الحديث القدسي من خطابه تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم:
(لولاك لما خلقت الأفلاك) فإنه صلى الله عليه وآله وسلم أفضل الخلق.
وفي المجمع: قال الجبائي وفي الآية دلالة على أنه كان قبل خلق السماوات