قوله تعالى: (هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا) إلى آخر الآية، الضياء - على ما قيل - مصدر ضاء يضوء ضوء وضياء كعاذ يعوذ عوذا وعواذا، وربما كان جمع ضوء كسياط جمع سوط، واللفظ - على ما قيل - على تقدير مضاف والأصل جعل الشمس ذات ضياء والقمر ذا نور.
وكذلك قوله: (وقدره منازل) أي وقدر القمر ذا منازل في مسيره ينزل كل ليلة منزلا من تلك المنازل غير ما نزله في الليلة السابقة فلا يزال يتباعد من الشمس حتى يوافيها من الجانب الاخر، وذلك في شهر قمري كامل فترتسم بذلك الشهور وترتسم بالشهور السنون، ولذلك قال: (لتعلموا عدد السنين والحساب).
والآية تنبئ عن حجة من الحجج الدالة على توحده تعالى في ربوبيته للناس وتنزهه عن الشركاء، والمعنى أنه هو الذي جعل الشمس ضياء تستفيدون منه في جميع شؤون حياتكم كما يستفيد منه ما في عالمكم الأرضي من موجود مخلوق، وكذا جعل القمر نورا يستفاد منه، وقدره ذا منازل يؤدى اختلاف منازله إلى تكون الشهور والسنين فتستفيدون من ذلك في العلم بعدد السنين والحساب ولم يخلق ما خلق من ذلك بما يترتب عليه من الغايات والفوائد إلا بالحق فإنها غايات حقيقية منتظمة تترتب على خلقة ما خلق فليست بلغو باطل ولا صدفة اتفاقية.
فهو تعالى إنما خلق ذلك ورتبة على هذا الترتيب لتدبير شؤون حياتكم وإصلاح أمور معاشكم ومعادكم فهو ربكم الذي يملك أمركم ويدبر شأنكم لا رب سواه.
وقوله: (يفصل الآيات لقوم يعلمون) من المحتمل أن يراد به التفصيل بحسب التكوين الخارجي أو بحسب البيان اللفظي، ولعل الأول أقرب إلى سياق الآية.
قوله تعالى: (إن في اختلاف الليل والنهار وما خلق الله في السماوات والأرض لايات لقوم يتقون) قال في المجمع: الاختلاف ذهاب كل واحد من الشيئين في جهة غير جهة الاخر فاختلاف الليل والنهار ذهاب أحدهما في جهة الضياء والاخر في جهة الظلام، انتهى. والظاهر أنه مأخوذ من الخلف، والأصل في معناه أخذ أحد الشيئين الاخر في جهة خلفه ثم اتسع فاستعمل في كل تغاير كائن بين شيئين