وأبينه لكم وهو أنى لا أعبد آلهتكم وأعبد الله وحده.
وقد أخذ في قوله: (ولكن أ عبد الله الذي يتوفاكم) له تعالى وصف توفيهم دون غيره من أوصافه تعالى لانهم إنما كانوا يعبدون الاله لزعمهم الحاجة إليه في دفع الضرر وجلب النفع، والتوفي أمر لا يشكون أنه سيصيبهم وأنه لله وحده فمساس الحاجة إلى الامن من ضرره يوجب عبادة الله سبحانه.
على أن اختيار التوفي للذكر ليكون في الكلام تلويح إلى تهديدهم فإن الآيات السابقة وعدتهم العذاب وعدا قطعيا، ووفاة المشركين ميعاد عذابهم، ويؤيد ذلك اتباع قوله: (ولكن أ عبد الله الذي يتوفاكم) بقوله: (أمرت أن أكون من المؤمنين) فإن نجاتهم من العذاب جزء الوعد الذي ذكره الله في الآيتين السابقتين على هذه الآية:
(فهل ينتظرون إلا مثل أيام الذين خلوا من قبل - إلى قوله - ننج المؤمنين).
والمعنى: فاعلموا واستيقنوا أنى لا أعبد آلهتكم ولكن أ عبد الله الذي وعد عذاب المكذبين منكم وإنجاء المؤمنين وأمرني أن أكون منهم كما أمرني أن أجتنب عبادة الالهة.
قوله تعالى: (وأن أقم وجهك للدين حنيفا) عطف على موضع قوله:
(وأمرت أن) الخ، فإنه في معنى وكن من المؤمنين، وقد مر الكلام في معنى إقامة الوجه للدين الحنيف غير مرة.
قوله تعالى: (ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك) نهى بعد نهى عن الشرك، وبيان أن الشرك يدخل الانسان في زمرة الظالمين فيحق عليه ما أوعد الله به الظالمين في كلامه.
ومن لطيف التعبير قوله حين ذكر الدعاء: (ما لا ينفعك ولا يضرك) وحين ذكر العبادة: (الذين تعبدون من دون الله) فإن العبادة بالطبع يعطى للمعبود شعورا وعقلا فناسب أن يعبر عنه بنحو (الذين) المستعمل في ذوي العلم والعقل، والدعاء وإن كان كذلك لمساوقته العبادة غير أنه لما وصف المدعو بما لا ينفع ولا يضر، وربما توهم أن ذوي العلم والعقل يصح أن تنفع وتضر، عبر بلفظه (ما) ليلوح إلى أنها جماد لا يتخيل في حقهم إرادة نفع أو ضرر.