قوله تعالى: (وما من دابة في الأرض إلا على الله) رزقها إلى آخر الآية، الدابة على ما في كتب اللغة كل ما يدب ويتحرك، ويكثر استعماله في النوع الخاص منه، وقرينة المقام تقتضي كون المراد منه العموم لظهور أن الكلام مسوق لبيان سعة علمه تعالى، ولذلك عقب به قوله: (ألا حين يستغشون ثيابهم يعلم ما يسرون وما يعلنون إنه عليم بذات الصدور).
وهذا المعنى أعني كون ذكر وجوب رزق كل دابة على الله لبيان سعة علمه لكل دابة في جميع أحوالها يستوجب أن يكون قوله: (ويعلم مستقرها ومستودعها) بمنزلة عطف التفسير لقوله: (على الله رزقها) فيعود المعنى إلى أن كل دابة من دواب الأرض على الله أن يرزقها - ولن تبقى بغير رزق - فهو تعالى عليم بها خبير بحالها أينما كانت فإن كانت في مستقر لا تخرج منه كالحوت في الماء وكالصدف فيما وقعت واستقرت فيه من الأرض رزقها هناك وإن كانت خارجة من مستقرها وهى في مستودع ستتركه إلى مستقرها كالطير في الهواء أو كالمسافر الغارب عن وطنه أو كالجنين في الرحم رزقها هناك وبالجملة هو تعالى عالم بحال كل دابة في الأرض وكيف لا وعليه تعالى رزقها ولا يصيب الرزق المرزوق إلا بعلم من الرازق بالمرزوق وخبرة منه بما حل فيه من محل دائم أو معجل ومستقر أو مستودع.
ومن هنا يظهر أن المراد بالمستقر والمستودع المحل الذي تستقر فيه الدابة ما دامت دابة تدب في الأرض وتعيش عيشة دنيوية والمحل الذي تحل فيه ثم تودعه وتفارقه، وأما ما ذكره بعض المفسرين أن المراد بالمستقر والمستودع أماكنها في الحياة وبعد الممات أو أن المراد بهما الأصلاب والأرحام أو أن المراد بهما مساكنها من الأرض حين وجدت بالفعل ومودعها من المواد والمقار حين كانت بعد بالقوة فمعان بعيدة عن سياق الآية اللهم إلا أن يجعل قوله: (ويعلم مستقرها ومستودعها) كلاما مستأنفا بحياله غير مفسر لما قبله.
وقد تقدم في قوله تعالى: (وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة فمستقر ومستودع) الانعام 98 ما يناسب هذا المقام فليراجع إليه من شاء.
وأما قوله: (على الله رزقها) فهو دال على وجوب الرزق عليه تعالى وقد