التنجية ببدنه، وخاصة مع وجود القرينة الدالة على أن المراد بالتنجية هي التي للبدن دون التي للانسان المستتبع لحفظ حياته وسلامته نفسا وبدنا، والقرينة هي قوله: (ببدنك).
قوله تعالى: (ولقد بوأنا بني إسرائيل مبوأ صدق ورزقناهم من الطيبات) أي أسكناهم مسكن صدق، وإنما يضاف الشئ إلى الصدق نحو وعد صدق وقدم صدق ولسان صدق ومدخل صدق ومخرج صدق للدلالة على أن لوازم معناه وآثاره المطلوبة منه موجودة فيه صدقا من غير أن يكذب في شئ من آثاره التي يعدها بلسان دلالته الالتزامية لطالبه فوعد صدق مثلا هو الوعد الذي سيفى به واعده، ويسر بالوفاء به موعوده، ويحق أن يطمع فيه ويرجى وقوعه. فإن لم يكن كذلك فليس بوعد صدق بل وعد كذب كأنه يكذب في معناه ولوازم معناه.
وعلى هذا فقوله: (مبوأ صدق) يدل على أن الله سبحانه بوأهم مبوءا يوجد فيه جميع ما يطلبه الانسان من المسكن من مقاصد السكنى كطيب الماء والهواء وبركات الأرض ووفور نعمها والاستقرار فيها وغير ذلك، وهذه هي نواحي بيت المقدس والشام التي أسكن الله بني إسرائيل فيها وسماها الأرض المقدسة المباركة وقد قص القرآن دخولهم فيها.
وأما قول بعضهم: إن المراد بهذا المبوء مصر دخلها بنو إسرائيل واتخذوا فيها بيوتا فأمر لم يذكره القرآن. على أنهم لو فرض دخولهم فيها ثانيا لم يستقروا فيها استقرارا مستمرا، وتسمية ما هذا شأنه مبوء صدق مما لا يساعد عليه معنى اللفظ.
والآية أعني قوله: (ولقد بوأنا بني إسرائيل - إلى قوله - من الطيبات) مسوقة سوق الشكوى والعتبى، ويشهد به تذييلها بقوله: (فما اختلفوا حتى جاءهم العلم، وقوله: (إن ربك يقضى بينهم) إلى آخر الآية بيان لعاقبة اختلافهم عن علم وبمنزلة أخذ النتيجة من القصة.
والمعنى: أنا أتممنا على بني إسرائيل النعمة وبوأناهم مبوء صدق ورزقناهم من الطيبات بعد حرمانهم من ذلك مدة طويلة كانوا فيها في أسارة القبط فوحدنا