تفصل الآيات بعضها من بعض مع إعانة ما من ذوق التفاهم، ولذلك ربما وقع الخلاف في عدد آيات بعض السور بين علماء الاحصاء كالكوفيين والبصريين وغيرهم.
والمراد بالكتاب الحكيم هو الكتاب الذي استقرت فيه الحكمة، وربما قيل:
إن الحكيم من الفعيل بمعنى المفعول والمراد به المحكم غير القابل للانثلام والفساد، والكتاب الذي هذا شأنه - وقد وصفه تعالى في الآية التالية بأنه من الوحي - هو القرآن المنزل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
وربما قيل: إن الكتاب الحكيم هو اللوح المحفوظ، وكون الآيات آياته هو أنها نزلت منه وهى محفوظة فيه، وهو وإن لم يخل عن وجه بالنظر إلى أمثال قوله تعالى: (بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ) البروج: 22 وقوله: (إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون) الواقعة: 78 لكن الاظهر من الآية التي نحن فيها وسائر ما في سياقها من آيات أوائل هذه السور المفتتحة بالحروف (الر) وسائر الآيات المشابهة لها أو الناظرة إلى وصف القرآن ان المراد بالكتاب وبآياته هو هذا القرآن المتلو المقرو وآياته المتلوة المقروة بما أنه من اللوح المحفوظ من التغيير والبطلان كالكتاب المأخوذ بوجه من الكتاب كما يستفاد من مثل قوله تعالى: (تلك آيات الكتاب وقرآن مبين) الحجر: 1، وقوله: (كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير) هود: 1، وغير ذلك.
قوله تعالى: (أكان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم) إلى آخر الآية الاستفهام للانكار فهو إنكار لتعجبهم من إيحاء الله إلى رجل منهم ما اشتملت عليه الدعوة القرآنية.
وقوله: (أن أنذر الناس) الخ تفسير لما أوحاه إليه، ويتبين به أن الذي ألقاه إليه من الوحي هو بالنسبة إلى عامة الناس إنذار وبالنسبة إلى الذين آمنوا منهم خاصة تبشير فهو لا محالة يضر الناس على بعض التقادير وهو تقدير الكفر والعصيان وينفعهم على تقدير الايمان والطاعة.
وقد فسر البشرى الذي أمره أن يبشر به المؤمنين بقوله: (أن لهم قدم صدق عند ربهم) والمراد بقدم الصدق هو المنزلة الصادقة كما يشير إليه قوله: (في