مستخدم بالطبع - فالانسان يستخدم في سبيل إبقاء حياته كل ما قدر عليه واستخدامه والانتفاع بمنافع وجوده آخذا من المادة الأصلية فالعناصر فالمركبات الجمادية المتنوعة فالحيوان حتى الانسان الذي هو مثله في الانسانية.
غير أن حاجته المبرمة إلى الاجتماع والتعاون اضطره إلى قبول الاشتراك مع سائر أفراد نوعه في الانتفاع بالمنافع المحصلة من الأشياء بأعمالهم المشتركة فهو وسائر الافراد من نوعه يكونون لذلك مجتمعا يختص كل جزء من أجزائه وكل طرف من أطرافه بعمل أو أعمال ثم ينتفع المجموع بالمجموع، وإن شئت فقل: ثم تقسم نتائج الأعمال بينهم فيتمتع كل واحد منهم بذلك على مقدار زنته الاجتماعية، ولذلك نرى أن الفرد من الانسان وهو اجتماعي كلما قوى واشتد أبطل المدنية الطبعية وأخذ يستخدم الناس بالغلبة، ويتملك رقابهم، ويحكم في نفوسهم وأعراضهم وأموالهم بما يقترحه.
ولأجل ذلك إذا تأملت تأملا حرا في سنتهم في استعباد الانسان وجدت أنهم لا يعتبرون تملك الانسان ما دام داخلا في المجتمع وجزء من أجزائه بل إما أن يكون الانسان المملوك محكوما بالخروج عن المجتمع كالعدو المحارب الذي لا هم له إلا أن يهلك الحرث والنسل ويمحى الانسان باسمه ورسمه فهو خارج عن مجتمع عدوه، وله أن يهلكه بالافناء ويتملك منه ما يشاء لان الحرمة مرفوعة، ومثله الأب بالنسبة إلى صغار أولاده والتابعين لنفسه فإنه يرى أنهم من توابعه في المجتمع من غير أن يكافئوه أو يماثلوه أو يوازنوه فله أن يتصرف فيهم حتى بالقتل والبيع وغيرهما.
وإما أن يكون الانسان المالك ذا خصيصة تدعوه إلى أن يعتقد أنه فوق المجتمع من غير أن يعادلهم في وزن أو يشاركهم في نفع بل له نفوذ الحكم، والتمتع بصفوة ما يختار، والتصرف في نفوسهم حتى بالملك والاستعباد.
فقد تبين أن الأصل الأساسي الذي كان يبنى عليه الانسان سنة الاستعباد والاسترقاق هو حق الاختصاص والتملك المطلق الذي يعتقده الانسان لنفسه، وأن الانسان لا يستثنى عنه أحدا إلا مشاركيه في مجتمعه الانساني ممن يعادله في الزنة الاجتماعية ويتحصن منه في حصن التعاون والتعاضد، وأما الباقون فلا مانع عنده من تملكهم واستعبادهم.